بيروت - لبنان اليوم
حسنا فعل الجيش أمس، بإصداره بيانا أوضح فيه، حقيقة الصور التي جمعت قائد المؤسسة العسكرية، العماد جوزف عون، بقائد عصابات عملاء الاحتلال في سجن الخيام، الموقوف عامر الفاخوري.
البيان الذي كرر ثلاث مرات صفة عميل لوصف جزار معتقل الخيام، أكد أن الصور التي انتشرت أمس التقطت أثناء "زيارة قائد الجيش للولايات المتحدة الأميركية في تشرين الأول 2017، خلال حفل استقبال عام أقامته السفارة اللبنانية على شرف العماد عون، حيث قام المدعوون بالتقاط صور إلى جانبه، ومن ضمنهم العميل الفاخوري، علما بأن لا معرفة شخصية تجمعه مع قائد الجيش". بيان الجيش مقنع. إذ إن قائده ليس مسؤولًا عن المدعوين، ولا هو يحفظ في ذاكرته صور جميع المشتبه فيهم والمجرمين، ولو كانوا من وزن العميل عامر الفاخوري. لكن السؤال هنا يوجه إلى السفير اللبناني في واشنطن غبريال عيسى. الأخير نفى أمس للذين اتصلوا به "من وزارتي الخارجية والدفاع" أن يكون قد وجه دعوات خاصة للمشاركة في حفل استقبال قائد الجيش، جازما بأن الدعوة كانت عامة ومفتوحة لأبناء الجالية، وبأنه لا يعرف الفاخوري مطلقا! وشرح السفير عيسى بأن الدعوات الخاصة لا توجه إلا إذا كان الحفل على شكل مأدبة لعدد محدود من الأشخاص. كلام السفير يناقض ما يقوله بعض أبناء الجالية عن كون عيسى مطلعا على تفاصيل ملف الفاخوري. لكن هذا التناقض لا يحسمه سوى تحقيق تجريه وزارة الخارجية.
تحقيق آخر مطلوب من قيادة الجيش. هي أوضحت ملابسات الصور. لكنها لم تصدر بعد أي كلام رسمي بشأن شطب اسم الفاخوري عن البرقية 303 "التي يصدرها الجيش لضبط تحركات المشتبه فيهم والمدانين بجرائم التعامل مع العدو والإرهاب"، ما أتاح له الدخول عبر مطار رفيق الحريري الدولي، يوم 4 أيلول 2019، من دون توقيفه. وشطب الاسم عن البرقية هو ما دفع بالأمن العام إلى مصادرة جواز السفر الأميركي للفاخوري، والطلب إليه مراجعة إحدى شعبها لاحقا من أجل استرداه. لم يسترد الفاخوري جواز سفره، بل قضى ليلته الثانية في السجن، بعدما ادعت عليه النيابة العامة العسكرية، ممثلة بالقاضية منى حنقير، بجرائم التواصل مع العدو وعملائه، داخل لبنان وخارجه، ودخول أراضي العدو من دون إذن، و«التجند لمصلحة العدو في صفوف ميليشيا لحد، وتجنيد أشخاص للعمل لمصلحة العدو، والأستحصال على الجنسية الإسرائيلية، والتسبب بتعذيب وقتل لبنانيين، وهي الجرائم المنصوص عليها في المواد 285 و273 و278 و549 من قانون العقوبات». وتصل العقوبة القصوى لبعض هذه المواد إلى الإعدام. وأحالت النيابة العامة الموقوف وملفه على قاضي التحقيق العسكري "تناوب حاليا القاضية نجاة أبو شقرا"
المسار القضائي سلك طريقه السليم. لكنه لا يزال، بحسب مصادر معنية به، بحاجة إلى المزيد من الضغط والمتابعة الدؤوبة. وما يبقى عالقا هو قضية شطب اسم الفاخوري من البرقية 303. الجيش الذي يلتزم الصمت رسميا، سرب أمس إلى عدد من وسائل الإعلام أخبارا تفيد بأنه شرع، منذ مطلع عام 2017، بتخفيف عدد الأسماء الموجودة على اللائحة. وبناء على ذلك، أضافت مصادر المؤسسة العسكرية، جرى الاتفاق على أن تشطب أسماء «صغار العملاء»، على أن تتوفر فيهم الشروط التالية، مجتمعة:
أن يكونوا من غير الذين تلطخت أيديهم بالدماء؛
ان يكونوا قد غادروا المناطق المحتلة قبل عام 2000؛
ألا يكونوا قد حصلوا على الجنسية الإسرائيلية؛
أن يكونوا قد غادروا فلسطين المحتلة التي فروا إليها.
لكن التدقيق في ملف الفاخوري، يظهر أنه «راسب» في ثلاثة شروط من الأربعة المذكورة أعلاه. وما كان شائعا عن مغادرته المناطق المحتلة إثر إعفائه من قبل العدو من منصب آمر ثكنة الخيام (ومعتقلها)، تبين انه غير صحيح. فالفاخوري، بحسب إفادته في الأمن العام، كما بحسب معلومات متوفرة عنه لدى أجهزة أمنية، انتقل عام 1998 للعمل في جهاز الأمن التابع مباشرة للاستخبارات الإسرائيلية، والشهير بـ 504. وبقي كذلك حتى تحرير الجنوب عام 2000. ونقله من إمرة معتقل الخيام إلى جهاز الأمن كان يعد ترقية لا عقوبة. وكان من العملاء «المحظيين» والمهمين الذين أبلغهم العدو بموعد انسحابه قبل أيام من 25 أيار 2000، ما سمح له بترتيب أموره للفرار إلى فلسطين المحتلة بهدوء. ومن المعروف على نطاق واسع أنه ممن تلطخت أيديهم بدماء معتقلين. وعلى فرض أنه غادر الأراضي المحتلة عام 1998، فكيف يمكن التغاضي عن كونه من الذين ارتكبوا جرائم حرب وتعذيب لا تسقط ولو بمرور الزمن؟
التدقيق في ملف الفاخوري يظهر أنه «راسب» في ثلاثة شروط من الأربعة اللازمة لشطب اسمه من البرقية 303
كيف أزيل اسمه إذا؟ مسلسل التبرؤ من مساعدته استمر يوم أمس: الوزارات المعنية تنفي أي صلة لها بما جرى، الأجهزة الأمنية أيضا؛ من يتولون ملف الفارين إلى فلسطين المحتلة في الأحزاب
والرئاسات يعترضون على مجرد السؤال عن الأمر. من محا اسم الفاخوري من البرقية؟ الإجابة بسقوط الاسم سهوا غير مقنعة، وخاصة أنه من العملاء المعروفين للغاية، لدى سكان الشريط المحرر،
فضلا عن ضحاياه، كما لدى الأجهزة الأمنية. يضاف إلى ما تقدم أن النشرة الجرمية تحوي معلومات تفصيلية عنه. خلاصة ما توفر أمس من معلومات تشير إلى وجود «برنامج عمل» يقضي بإسقاط أسماء العملاء من البرقية 303. والتذرع بقرار أصدرته الحكومة عام 2014، والمجلس الأعلى للدفاع عام 2017، لا ينطلي على أي من المعنيين بالقضية. فإسقاط الأسماء يكاد يكون مقتصرا على العملاء، ولا يشمل آخرين، مثلا، كالمطلوبين والمشتبه فيهم بجرائم الإرهاب. وقد كشفت أمس قناتا «المنار» و«الجديد» عن 60 اسما لعملاء، (اسم الفاخوري من بينهم)، أزيلت من البرقية. كذلك علمت «الأخبار» بوجود نحو 30 اسما لعملاء ومشتبه فيهم آخرين أزيلت من البرقية، فيما رفضت مصادر المؤسسة العسكرية تحديد الرقم الدقيق للعملاء الذين أنعم عليهم بالخروج من البرقية.
القرابة العائلية التي تربطه بجزار الخيام، إلا أن ذلك لم يحل دون توقيفه من قبل قيادة الجيش، واعتبار ما قام به مخالفة مسلكية توجب المحاسبة.
ما جرى حتى اليوم يشي بالتناقض. ثمة جدية في التعامل مع المسار الأمني والقضائي منذ لحظة بدء التحقيق معه في الأمن العام، في مقابل خفة في معالجة قضية السماح له بدخول لبنان. يبدو أن بعض من بيدهم الأمر لا يزالون غير مدركين خطورة ما جرى. ليس الأمر هنا شبيها بإعادة «عميل تافه»، أو ابن عميل، أو عائلة عميل، من فلسطين المحتلة. ولا هو شأن خاضع لانقسامات لا معنى
لها. الفاخوري كان آمرا لمعتقل الخيام، الأداة الأقذر، والأكثر إيلاما، لـ«كي وعي» الجنوبيين في المناطق المحتلة. كان من كبار قادة عصابات الخيانة، وأحد رموز ما قبل الانتصار. عودته إلى لبنان، ثم تركه بلا محاسبة، يعنيان وجود قرار لدى أحد ما، سواء صغر أو كبر، بإعادة البلاد إلى زمن انهزم. ولا مجال للحؤول دون ذلك سوى بالإعدام. الإعدام بقوة العدالة، أو الإعدام تنفيذا لحكم الشعب
قد يهمك ايضًا
القوات الأمريكية تستخدم تكتيكًا جديدًا للاستطلاع في صحراء الأنبار
سائرون يكشف عن وجود قوات قتالية داخل السفارة الأمريكية في بغداد