حرج بيروت

يشكل حرج الصنوبر الممتد على ثلاثين هكتارا على اطراف بيروت المساحة الخضراء الاكبر في العاصمة اللبنانية التي يعاني سكانها من نقص كبير في الحدائق العامة، رغم ذلك تقفل السلطات ابوابه منذ عقدين بوجه اللبنانيين وتشرعها امام الاجانب فقط.

وتعلو الاصوات في الآونة الاخيرة للمطالبة بفتح ابواب هذه الجنة الخضراء امام المواطنين الذين لا يجدون في كل بيروت سوى بضع حدائق لا تزيد عن عدد اصابع اليد الواحدة، يعاني معظمها اهمالا كبيرا، في ظل زحف عمراني خانق.

لكن هذه المطالبات لا تأتي بثمارها، مع اصرار بلدية بيروت على ان هذه الغابة ليست مجهزة ببنى تحتية تخولها استقبال أعداد كبيرة من الزوار.

ولذا، يتوجب على من يرغب بالدخول الى هذه المحمية الطبيعية في جنوب بيروت، ان يكون قد اتم الثلاثين من عمره او لم يتجاوز العشر سنوات برفقة والديه، وان يكون قد حصل على اذن دخول صادر عن محافظ بيروت.

ويأمل مدرس يدعى ميشال اوصاه طبيبه بممارسة الرياضة ان يحصل على الاذن. ويقول لمراسلة وكالة فرانس برس "وقعت على طلب اتعهد بموجبه الحفاظ على الحديقة ونظافتها. وسأتلقى الجواب في غضون عشرة ايام".

ويضيف "شرح لي احد الحراس انه بامكان رعايا الدول الغربية الدخول من دون اذن لانهم تعلموا منذ وقت طويل الحفاظ على نظافة الاماكن العامة".

ويثير منع السلطات اللبنانية مواطنيها من دخول الحرج استياء بات متزايدا في الآونة الاخيرة، وشعورا بالتمييز.

ويقول الشاب زياد ليان البالغ من العمر 25 عاما "لا يحق لي الذهاب الى حرش بيروت للقراءة او ممارسة نشاط هناك..علما ان ذلك حقا لي".

وتعتبر جوانا حمور الناشطة في منظمة "نحن" ان اقفال الحديقة امام اللبنانيين "اشبه بمنع سكان نيويورك من الدخول الى سنترال بارك".

وتقود المنظمة غير الحكومية هذه حملة مطلبية واعلامية لاعادة فتح الحديقة وتهدد بملاحقة البلدية قضائيا.

وتقول هذه السيدة الثلاثينية "اقفال حرش بيروت غير قانوني، انه مساحة عامة" مؤكدة ان "اجانب كثرا" يدخلون الى الحديقة من دون اذن.

وتؤكد لين ستاهلي وهي باحثة اميركية مقيمة حاليا في لبنان الامر. وتقول "دخلت من دون ان يستوقفني احد لكن الحراس منعوا صديقتي اللبنانية من الانضمام الي".

ولم تدرج المساحات الخضراء على قائمة الاولويات في لبنان في الوقت الذي تتآكل فيه المساحات الخضراء لمصلحة المباني والابراج الاسمنتية منذ انتهاء الحرب الاهلية العام 1990.

وتشكل الحدائق العامة في بيروت ما يعادل 0,65 مترا مربعا لكل مقيم، بنسبة بعيدة جدا عن تلك التي توصي بها منظمة الصحة العالمية والبالغة عشرة امتار مربعة لكل مقيم، وفق ما اوردته دراسة اجراها مكتب حبيب دبس الهندسي بتمويل من منطقة ايل دو فرانس.

وتعاني بيروت وضواحيها، حيث يقيم مليونا نسمة اي ما يعادل نصف سكان لبنان، من الزحمة الخانقة والتلوث.

وبحسب دراسة مكتب دبس، تضاءلت المساحات العامة وتقلصت مساحة الاراضي غير المبني عليها من اربعين في المئة عام 1967 الى عشرة في المئة عام 2000.

ولذا يعاني سكان العاصمة من نقص كبير في الحدائق او المساحات العامة التي يمكن التنزه فيها او ممارسة الرياضية، فيما حرج بيروت مقفل بوجههم.

وتعتبر بلدية بيروت ان الغابة ليست مؤهلة لاستقبال عدد كبير من الزائرين.

ويقول رئيس البلدية بلال حمد لوكالة فرانس برس "هذه الغابة البالغة مساحتها 300 الف متر ربع تشكل رئة بيروت".

ويضيف "لا نستطيع ان نوفر الامن، ولا مستلزمات النظافة بجهود موظفي الشرطة البلدية، وماذا لو تسبب احدهم بحريق"، لافتا الى عدم وجود حمامات او ممرات مخصصة للدراجات الهوائية داخل الحديقة.

ويؤكد حمد انه سيتم الاعلان عن مناقصة هذا الصيف لـ"إدارة وحفظ امن" الغابة التي من المقرر تدشينها العام 2016.

لكن الناشطين يعتبرون ذلك "وعودا في الهواء".. ويقول رئيس جمعية "نحن" محمد ايوب "لا سبب لدعوة الشركات الخاصة"، معتبرا انه بإمكان بلدية بيروت توفير الحراسة والنظافة.

وبحسب زياد ليان "يعاملوننا كاطفال يرفضون اعطاءهم لعبة خوفا من كسرها فيما عليهم تعليمهم كيفية الحفاظ على هذه اللعبة".

وتشمل خطة البلدية ايضا وفق حمد، بناء حديقة نباتية تمتد على مساحة عشرة الاف متر مربع بالتعاون مع بلدية جنيف، بالاضافة الى مدرج و"تحويل مساحة تدريب قديمة الى استاد اولمبي مع مواقف تحت الارض".

يقع حرج بيروت في منطقة كانت تفصل بين شطري بيروت المتنازعين امام الحرب، وهو شهد معركة ضارية اثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982 اصابته باضرار كبيرة، وتم ترميمه جزئيا بموجب هبة فرنسية.

وفي ظل الانقسام السياسي الحاد الذي عاد الى لبنان في السنوات الأخيرة، يرى البعض انه "لا بد من اعادة فتح حرش بيروت بوصفه رمزا للوحدة والسلام والمصالحة بين السكان".