لندن - ماريا طبراني
تعاني غالبية النساء الحوامل من الغثيان الشديد في بعض مراحل الحمل، خصوصًا فترة الصباح، كما أن بعضهن يختبرن غثيان الصباح لفترات طويلة في حالة تسمى "التقيؤ الحملي"، الذي يمكن أن يؤدي إلى الجفاف وفقدان الوزن، وربما يحتاج إلى عناية طبية، ولكن بالنسبة إلى معظم النساء فإن الأمر ينتهي بعد الأسبوع الـ 18 من الحمل.
ولم يتضح بعد السبب الحقيقي وراء الغثيان، وتعتبر أحدث الدراسات أن السبب ربما يعود إلى رد فعل الجسم على زيادة وجدت في هرمون الحمل، بمعني أن مستويات الهرمون في مجرى الدم تبلغ ذروتها، ولكن هذا التفسير لا يشرح سبب حصول الغثيان في الصباح.
وتعتبر الأشهر الثلاثة الأولى في فترة الحمل الأكثر أهمية في تطور الجنين، فالجهاز العصبي المركزي يتكون في هذه الفترة، ويمكن أن تتعطل هذه العملية الحساسة بسبب السموم التي تدور في مجرى الدم لدى الأم، وترجح بعض النظريات أن القيء في فترة الحمل المبكر مفيد للتخلص من السموم التي قد تحدث في هذه المرحلة المهمة.
ويتحكم الجزء السفلي من الدماغ في القيء، وتفتقر هذه المنطقة إلى حاجز الدم الدماغي، مما يطور قدرتها على اكتشاف السموم في مجرى الدم، والسائل المخي الشوكي، واستطاع الباحثون أن يجدوا مستقبلات حسية في هذه المنطقة لهرمون الحمل، ما يفسر سبب حدوث القيء في هذه الفترة الحساسة.
وتدعم أدلة عدة هذه النظرية ، منها أن الغثيان عادة ما يكون أكثر شيوعا في المجتمعات المعروفة بالأطعمة الخطيرة، ويصيب غثيان الحمل الإنسان فقط، إذ أنه الكائن الوحيد الذي لديه النظام الغذائي المتنوع، إلى جانب أن الغثيان يرتبط بانخفاض معدلات الإجهاض.
ويصاحب الغثيان الصباحي الأطعمة المعرضة للكائنات الحية الدقيقة قبل التبريد مثل اللحوم أو الخضروات المرة، وهو الطعم الذي عادة ما يدل على السم في ثقافة أجدادنا، وعلى الرغم من أن الغثيان الصباحي صعب على النساء، إلا أنه ربما يكون مفيدًا لتطور ونمو الجنين.
وتصبح حاسة الشم لدى النساء الحوامل أكثر قوة، وتعتبر دليلا مبكرا على حدوث الحمل، وتقر حوالي ثلثي النساء أن حاسة الشم لديهن تصبح أقوى من المعتاد أثناء الحمل، وتشير الدراسات إلى أن النساء الحوامل لديهن الحساسية بشكل واضح للروائح مثل الأطعمة، والسجائر، والعطور، والتوابل.
وتشير الدراسات، إلى أنه ليس بالضرورة أن حاسة الشم لدى النساء تصبح أقوى أثناء الحمل، ولكن قدرة النساء على تحديد الروائح هي التي تتطور، وبيّنت إحدى الدراسات أن النساء الحوامل يستطعن تمييز مجموعة متنوعة من الروائح مقارنة بالنساء غير الحوامل، ويبدو أن السبب يعود إلى رفض الجسم للأطعمة التي يمكن أن تضر الجنين، فيستخدم حاسة الشم لتحفيز المرأة على تجنب الملوثات قدر الإمكان، ما يفسر سبب نفور المرأة من رائحة السجائر والأغذية الفاسدة.
واختبرت مجموعة من الأبحاث السويدية بعض الروائح على النساء الحوامل وغيرهن، مع قياس ردود فعل أدمغتهن، ووجدت الدراسات أن دماغ الحوامل يتفاعل مع الروائح أكثر من دماغ النساء غير الحوامل، ما يمكن تفسيره بقدرة التغيرات الهرمونية على التأثير في العمليات الإدراكية التي لها علاقة بالروائح.
وتعتبر التقلبات الهرمونية أثناء الحمل السبب وراء التغيرات الإدراكية للمرأة، ووجدت دراسة أجريت عام 2008 أن الحمل يؤثر على ذاكرة المرأة أيضا، فالنساء الحوامل يظهرن أداء ضعيفا في عمل الذاكرة قصيرة المدى، وفي دراسة أجريت عام 2014، سجلت النساء الحوامل انخفاضًا بمعدل 11% على أداء الذاكرة كل ثلاثة أشهر من الحمل، ولم يجد العلماء علاقة بين مستويات الهرمونات المختلفة في الدم وعمل الذاكرة الضعيف، أي أن الهرمونات لم تلعب دورا في ضعف أداء ذاكرة المرأة الحامل.
وكشفت دراسة أجريت على الفئران في فترة الحمل، أن انخفاضا حدث في تكوين الخلايا العصبية، وفي ولادة خلايا عصبية جديدة في "قرن آمون"، والتي تلعب دورا كبيرا في الذاكرة قصيرة الأمد، والقدرة الملاحية للدماغ، كتذكر الإنسان المكان الذي ركن فيه سيارته.
ووجدت دراسة أجريت على الفئران أيضا أنه لا يوجد أي فرق بين حجم دماغ الحامل وغير الحامل منها، إلا في قرن آمون، لأنه كان أصغر، وهذا ارتبط بضعف الذاكرة المكانية لديها.
ولم يدرس أي بحث أدمغة النساء الحوامل، والتغيرات المحتملة على قرن آمون لدى البشر، ويعتقد العلماء أن التعب والإجهاد والحرمان من النوم أثناء الحمل يسبب ضعف الذاكرة، ويمكن أن يعود السبب إلى تغير روتين المرأة اليومي بسبب الحمل، وهناك العديد من التغيرات التي تحصل للنساء أثناء الحمل غير مفهومة بعد.