واشنطن ـ رولا عيسي
أقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وزير خارجيته ريكس تيلرسون، دون أن يعرض على رئيس دبلوماسيه المنتهية ولايته تفسيرًا لما حدث، في أحدث مؤشر على وجود البيت الأبيض في حالة من الفوضى، فيما يواصل المسؤولون البارزون الخروج من الإدارة دون تحذير مسبق.
ويأتي هذا التغيير في وقت دقيق بالنسبة للدبلوماسية الأميركية، حيث قبل الرئيس للتو الدعوة لعقد محادثات مباشرة مع زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، بشأن التهديد النووي الذي تمثله بيونغ يانغ، وهناك اقتراحات بأن ترامب أراد إجراء التغيير قبل محادثات كوريا الشمالية، ولكن من غير المعتاد إجراء مثل هذا التغيير الكبير في مثل هذا الوقت المهم، كما لا تزال السياسة الخارجية الأميركية بشأن روسيا قضية تحظى بالجدل الواسع.
وتم الإعلان عن إقالة تيلرسون بعد يوم من تصريحه بأنه "لدينا ثقة كاملة" في تقييم المملكة المتحدة بأن روسيا مسؤولة على الأرجح عن الهجوم على جاسوس روسي سابق في ساليسبري الأسبوع الماضي، وذهبت تعليقات تيلرسون إلى ما هو أبعد من الرد الأولي للبيت الأبيض، والذي لم يصل بعد إلى إلقاء اللوم على موسكو.
وكان ترامب اقترح الأسبوع الماضي إجراء مزيدا من التغييرات في البيت الأبيض، بعد أن استقال المستشار الاقتصادي غاري كون في أعقاب خلافات مع الرئيس حول سياسته بشأن التعريفات التجارية، كما خسر ترامب مديرة اتصالاته هوب هيكس أواخر الشهر الماضي بعد استقالتها، وبجانب السيد تيلرسون، تم طرد أو استقالة خمسة أشخاص من البيت الأبيض في الأسبوعين الماضيين، وهم جون ماكنتي، وهو مساعد شخصي للرئيس، الذي تم فصله يوم الاثنين، لكنه سينضم إلى حملة ترامب 2020، وجوش رافيل، مساعد الاتصالات في البيت الأبيض.
وبعد أن أذهل ترامب الجميع مرة أخرى، أصدر الإعلان في رسالة في صباح الثلاثاء على "تويتر" بأنه يتخلص من السيد تيلرسون ويستبدله بمدير وكالة الاستخبارات المركزية مايك بومبيو، ستتولى نائبة الوكالة الحالية جينا هسبل منصب مديرة الوكالة، وقال الرئيس إن تيلرسون "كان يتحدث عن الاستقالة منذ فترة طويلة"، ولكن تصريحًا رسميًا من أحد أعضاء وزارة الخارجية كشف أن الرئيس لم يطلع تيلرسون على أنه سيتم إقالته.
وأضاف ترامب أنه هو وبومبو يفكران بنفس الطريقة، على الرغم من أنه قد يواجه هو والسيدة هاسبيل جلسات صارمة، حيث تعرض بومبيو لانتقادات لادعائه أن الإيهام بالغرق لا يشكل تعذيبًا ويعارض أيضًا إغلاق خليج غوانتانامو، وفي هذه الأثناء، كانت آنسبل قد شاركت سابقا في أحد سجون "الموقع الأسود" التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية في تايلاند حيث تعرّض المحتجزون إلى الإيهام بالغرق وإجراءات استجواب مروع تم إدانته على نطاق واسع على أنها تعذيب، وقد سارعت منظمات حقوق الإنسان إلى إدانة هذه الخطوة.
وبعد ساعات قليلة من إعلان رحيله، أكد تيليرسون أنه كان يقوم بتسليم واجباته اليومية إلى نائبه جون سوليفان، وستنتهي فترة رئاسته رسميا في 31 مارس/ آذار، وأضاف أن ترامب اتصل به بعد 3 ساعات من الإقالة، وأنه تحدث إلى رئيس هيئة الأركان في البيت الأبيض جون كيلي، وفي الكلمة التي ألقاها بشأن رحيله لم يشكر الرئيس، ولكنه أشاد بـ "الأمانة" و "الاحترام" الذي أظهره موظفو وزارة الخارجية.
وكان مصدر الخلاف بين ترامب وتيلرسون هو الاتفاق النووي الإيراني، وهو اتفاق عقده الرئيس السابق باراك أوباما، والذي بموجبه وافقت إيران على تقييد برنامجها النووي لمدة 10 سنوات على الأقل مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية، حيث يريد ترامب إلغاؤها بينما يعارض تيلرسون، الذي عاد لتوه من رحلة قصيرة إلى أفريقيا قبل ساعات من إعلان ترامب إقالته، ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"، تم تحذيره.
وركز ترامب والبيت الأبيض في الإعلان الأول على السيد بومبيو وتاريخه، وقال أحد مساعدي تيلرسون، وكيل وزارة الخارجية ستيف غولدشتاين، إن ترامب لم يفسر مطلقا لوزير الخارجية السابق لماذا تمت إقالته، وأن الدبلوماسي البارز أراد البقاء في الوظيفة.
ويخلق فشل ترامب الواضح في إعطاء تيلرسون سببًا في خلق حالة من عدم اليقين بشأن سلامة عملية اتخاذ قرار ترامب، وقد حدث وضع مماثل في مايو/ آيار، عندما قام الرئيس بإقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية جيمس كومي دون تحذير يذكر، وفي هذه الحالة، يقال إن السيد كومي قد اكتشف قرار الرئيس حين كان يشاهد التلفاز بينما كان يخاطب ترامب الموظفين في مكتب ميداني تابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وقال غولدستين في بيان حول السيد تيلرسون "كان لدى الوزير كل نية للبقاء بسبب التقدم الملموس الذي تم إحرازه بشأن قضايا الأمن القومي الحاسمة، لقد أسس العلاقات مع نظرائه واستمتع بها، سيغيب عن زملائه في وزارة الخارجية".
وتمت إقالة السيد غولدشتاين نفسه، ومن المحتمل أن يكون ذلك نتيجة لتصريحه بشأن السيد وتناقضها مع رسالة الرئيس، وبحسب ما ورد استُدعى من قبل البيت الأبيض بعد رسالته عن تيلرسون يوم الثلاثاء، وتم إخباره بأن خدماته لم تعد هناك حاجة إليها، في حين أخبر مسؤول كبير في البيت الأبيض المنافذ الإخبارية أن السيد ترامب طلب من تيلرسون التنحي يوم الجمعة، لكن الرئيس لم يرغب في الإعلان عن ذلك بينما كان تيلرسون في رحلة إلى إفريقيا، وقيل إن ترامب ومسؤولين في الإدارة كانوا يفكرون في استبدال تيلرسون منذ عدة أشهر.
وفي هذا السياق، قال جو سيرينسيوني، رئيس صندوق بلوغهاريس، وهي مؤسسة أمنية عالمية " إن ما حدث كارثة للدبلوماسية الأميركية، فعلى الرغم من عيوب تيلرسون كان ضابطا للنفس ويؤيد الحلول التفاوضية، وكان حليفا أساسيا لوزير الدفاع جيم مايس في دعم الاتفاق النووي الإيراني ويقاوم الحل العسكري لأزمة كوريا الشمالية، والآن تم استبداله بشخص عديم الخبرة عارض صفقة إيران في الكونغرس"، كما يرى إليوت إنغل، عضو ديمقراطي بارز في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، أن الرئيس اختار وقتا مروعا لإجراء تغيير جذري في وزارة الخارجية، قائلا " توقيت هذه الخطوة لا يمكن أن يكون أسوأ من ذلك".