بيروت - لبنان اليوم
حالة من الترقب الحذر تسود الشارع اللبناني، إثر التدهور الاقتصادي الحاصل، يضاف إليه بدء تطبيق قانون "سيزر" (قيصر) الأمريكي، حيث ينص القانون الأمريكي على اتخاذ إجراءات ضد الجهات التي تدعم العمليات العسكرية للجيش السوري، وتشمل تطبيق عقوبات على شركات أجنبية في حال تقديمها لأي دعم من أجل تحقيق انتصار عسكري سوري.في أول رد فعل لبناني نفى المكتب الإعلامي في رئاسة مجلس الوزراء اللبناني، أمس الاثنين، خبر تبني الحكومة قانون قيصر للعقوبات الأمريكية، حيث قالت رئاسة مجلس الوزراء في بيان لها: "أوردت بعض وسائل الإعلام خبراً عن توزيع قانون قيصر للعقوبات الأمريكية خلال جلسة مجلس الوزراء، وعن تبني الحكومة لهذا القانون".
وأضافت: "إن الحقيقة أن الحكومة بصدد دراسة تأثير هذا القانون على لبنان، والهوامش التي يمكن للحكومة العمل فيها من دون حصول ارتدادات سلبية على البلد، ولم يحصل أي التزام أو نقاش أو تبنّ لهذا القانون في جلسة مجلس الوزراء".في البداية قال الدكتور عماد عكوش الخبير الاقتصادي اللبناني: إن "قانون "سيزر" والذي أصبح موضع التنفيذ ابتداء من أول يونيو/ حزيران من العام الحالي، والذي ينص على عقوبات كثيرة ومتعددة على "الدول، الأحزاب، الجمعيات والشركات، والأفراد"، الذين يتعاملون مع كل من سوريا، إيران وروسيا من خلال فرض عقوبات عليهم، تمنعم من الاستفادة من نظام الخدمات الأمريكية وعلى رأسها نظام السويفت، وتأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة، أو التعامل مع الشركات الأمريكية، أو حتى العمل في السوق الأمريكي".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "الأمر يشدد الخناق على لبنان والشركات اللبنانية، خاصة أن لبنان كان يمكن أن يكون منصة لإعادة بناء سوريا، وكانت العديد من الشركات قد بدأت بإجراءات التجهيز لفتح فروعها في سوريا للمشاركة في إعادة البناء، فأتى هذا القانون ليحبطها ويجعلها أسيرة هذا القانون الذي يمكن أن يوردها على اللائحة السوداء في الولايات المتحدة"، موضحًا أن "حصار لبنان بحصار سوريا لمدة عشر سنوات كانت نتيجته خسائر تتجاوز قيمتها ثلاثون مليار دولار، فيما لم يقدم المجتمع الدولي أي مقابل لذلك".
ما الذي قدمته أمريكا للبنان؟
وأشار إلى أن ما قدمته المجموعة الدولية والولايات المتحدة الأمريكية للبنان هو:
- "مليون ونصف مليون نازح سوري، يضغطون على الاقتصاد اللبناني، ببنية تحتية غير قادرة على استيعابهم".
- "ارتفاع نسبة البطالة لدى اللبنانيين، والتي وصلت إلى أكثر من 35 بالمئة، قبل أزمة كورونا وزادت من الظلم على اللبنانيين، ومن سوء الأوضاع المعيشية، وأدى إلى خنق اللبنانيين دون القدرة على فعل أي شيء".
- "إغلاق الحدود السورية أمام الصادرات اللبنانية للدول العربية، والتي فاقمت أزمة السيولة في لبنان، وأدت إلى كساد معظم مواسم الزراعة فيه، وأدت إلى تضرر القطاع الصناعي أيضآ".
- "منع استخدام لبنان كمعبر ترانزيت لسوريا وللدول العربية، وهذا الوضع حرم لبنان الكثير من المنافع، التي كان يستفيد منها خلال الأوضاع العادية".
سياسة الخنق والإخضاع
من ناحيته قال الخبير الاقتصادي اللبناني الدكتور أيمن عمر: إن "قانون قيصر يعد حلقة ضمن سلسلة الحلقات الاستراتيجية الأميركية القائمة على الخنق والإخضاع الاقتصادي، بدل العسكري، بهدف فرض الشروط الأميركية السياسية والنهب الاقتصادي"، موضحًا أن "القانون جاء ضمن إطار الصراع الشديد في المنطقة، بين المحاور المتصارعة، وأنه ضمن البازار الانتخابي للرئيس الأميركي الحالي، لتسجيل نقاط متقدمة في حملته الانتخابية".
وأوضح أن "القانون يطبق على أربع مراحل، تتحدد مواعيدها وفق ما تقرره الإدارة الأميركية، أي عند الحاجة السياسية إليه، بمعنى أنه إذا نجحت المرحلة الأولى في تحقيق الغاية السياسية من وراء فرضه، عندها تُعلّق المراحل الأخرى وتبقى سيفاً مسلطاً على الرقاب".
ودخل القانون حيّز التنفيذ في مرحلته الأولى في بداية الشهر الحالي يونيو/حزيران، على أن يبدأ تنفيذ المرحلة الثانية من القانون، بين شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب المقبلين، حيث خصصت المرحلة مخصصة لفرض عقوبات على كل من يتعاون سوريا في شتى المجالات، ويأتي "حزب الله" على رأس القائمة، وتشمل العقوبات المقترحة أنظمة ودولاً وهي ستطال بشكل رئيسي الدولة اللبنانية، وفق عمر.ويتابع الخبير الاقتصادي قوله بأن "القانون يترافق بالتوازي مع تقديم السيناتور الأمريكي تيد كروز مشروع قانون في الكونغرس ضد لبنان، بذريعة أن لبنان هو تحت سلطة "حزب الله"، ويمكن تصنيف هذا القانون ضمن السياق العام للعقوبات المفروضة على حزب الله، وبعض الشخصيات الموالية، الأمر الذي يلقي مزيداً من التأزم السياسي اللبناني الداخلي".
موقف الحكومة اللبنانية
وشدد على أن "القانون يضع الحكومة اللبنانية على المحك، ويوقعها بين نارين، الأولى هي العقوبات الأميركية والأممية ومزيد من الانهيار الاقتصادي، والثانية هي الحفاظ على وجود الحكومة والتضامن الوطني، قد تصل إلى المساس بالسلم الأهلي".ويرى أنه "على الرغم من ضعف الترابط الاقتصادي العضوي بين لبنان وسوريا منذ بدء الأحداث في العام 2011 ، وما ترك من تداعيات سلبية جداً على الاقتصاد اللبناني، بخسائر يومية تُقدر بحوالي 2.5 مليون دولار، بسبب إغلاق المنافذ الحدودية، إلا أن القانون سيترك له تداعيات مرتبطة بالمشاريع المستقبلية لإعادة إعمار سوريا، ودور لبنان وشركاته المحوري في هذا المضمار".بالإضافة إلى أن لبنان ما زال في طور المفاوضات مع صندوق النقد الدولي كآلية خلاص وحيدة في توفير التمويل اللازم، للبدء من الخروج من عنق الزجاجة المأسور فيها الاقتصاد والمالية العامة في لبنان، وهذا ما يضع مساعدة صندوق النقد الدولي والمنظمات الدولية في مهب الريح في حال تهرب السلطات اللبنانية من التقيّد بهذا القانون.
ماذا عن تطبيق القانون على سوريا
فيما قال الخبير اللبناني حسن حردان: إن "تطبيق قانون "سيزر" على سوريا، يلحق أذى فادحا بلبنان على المستويين الاقتصادي والتجاري"، موضحًا أن "سوريا هي بوابة لبنان على العالم العربي، خاصة فيما يتعلق بعملية التصدير والاستيراد من الدول العربية، خاصة في ظل اقتصار الحدود البرية مع الجمهورية العربية السورية، وفلسطين، مع استحالة التعامل من خلال الثانية"، قائلًا: "نقل البضائع أو استيرادها من خلال الحدود البحرية يضاعف التكلفة، خاصة فيما يتعلق بالتصدير، وهو ما يؤثر بشكل كبير على هامش الربح".
الرهان على المساعدات الأجنبية
وأوضح أن "رهان لبنان على المساعدات الأجنبية غير مجدي، خاصة أنها أصبحت شحيحة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، أو أنها تكون عبارة عن قروض مشروطة سياسيا واقتصاديا بما يمس بالسيادة الوطنية اللبنانية، ويضاعف الأزمة الاجتماعية"، مشددًا على أن "التوجه شرقا هو الخيار الأمثل حاليا عبر سوريا لعودة توازن الاقتصاد اللبناني الذي يعاني من خلل كبير بين الصادرات والواردات".وكانت السفيرة الأمريكية لدى لبنان دوروثي شيا قد أعلنت في وقت سابق عن وجود سلة أخرى من العقوبات التي ستطال المتورّطين بالفساد، ولكن هذه العقوبات لا تحرم لبنان من التجارة والاستثمار، لأن الأساس هو أن هذه العقوبات لا تتيح للجهات المخرّبة بالتسلّل إلى النظام المالي.وأشارت أن العقوبات تستهدف "حزب الله"، وقد تشمل أيضاً أولئك الذين يساعدونه ويدعمونه، كذلك سيكون هناك فئة جديدة من العقوبات التي ستدخل حيّز التنفيذ في الأول من حزيران وتطال قتلة المدنيين في سوريا، حسب تعبيرها.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
الوضع اللبناني صعب جراء الأزمة المالية والإقتصادية ولكن ليس ميؤوساً من معالجته
"مذكرة هامّة للداخلية" بشأن تعديل مواقيت فتح وإقفال المؤسسات