بيروت- لبنان اليوم
بات في حكم المؤكد ان ساعات حاسمة تفصل بين انجاز الرئيس المكلف مصطفى أديب تشكيلته الحكومية والتوافق عليها مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والافرقاء السياسيين بما يؤذن بولادة الحكومة في مطلع الأسبوع المقبل، حكومة لن تكون كسابقاتها. ففي الشكل، سرعة قياسية في التأليف لم يعتد اللبنانيون المعاصرون عليها عند مقاربة الاستحقاقات الحكومية، وفي المضمون كسرُ حواجز وقيود وبدع لطالما كانت تكبل الرئيس المكلف وتحاصر صلاحياته بمعادلات ما أنزل الدستور بها من سلطان، من قبيل "الثلث المعطل" و"التأليف قبل التكليف" وتناتش الحصص والحقائب بين سيادية وخدماتية وصولاً إلى محاولة تحويل أي رئيس مكلف تشكيل الحكومة مجرد ساعي بريد بين القوى السياسية المتناحرة يقتصر دوره على تلقف رسائلها وشروطها ومطالبها، ليخلص بعد جهد جهيد إلى تكوين مخلوق وزاري هجين تتنازع جيناته أطراف غير متجانسة متخندقة ضد بعضها البعض تحت سقف مجلس الوزراء.
وعليه، تسارعت خلال الساعات الماضية وتيرة الاتصالات والمشاورات البعيدة من الإعلام بين الاطراف السياسيين الداعمين لتشكيل الحكومة الجديدة، لتذليل العقد وتجاوز الصعوبات لتسريع عملية التشكيل قبيل انتهاء المهلة التي حددها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في زيارته الاخيرة الى لبنان.
وبالتزامن مع مرور 40 يوماً على زلزال الرابع من آب، سيكون محيط قصر بعبدا اليوم على موعد مع تظاهرة دعت إليها مجموعات شعبية من الحراك المدني للمشاركة في مسيرة "باللباس الأسود" إلى القصر الجمهوري، تأكيداً على وجوب محاسبة كل المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت. في وقت يأتي هذا التحرك على وقع لهيب حريق العاشر من أيلول الذي أودى بالمنطقة الحرة في المرفأ وأسفر عن خسائر فادحة تناهز قيمتها نحو 15 مليون دولار جراء الأضرار الهيكلية والبنيوية التي لحقت بالتجهيزات بالإضافة إلى احتراق البضائع والمواد الغذائية وغير الغذائية التي كانت مخزنة في المكان... ليبقى "السؤال الأكبر" الذي حيّر العقول الدولية وطرحه بالأمس المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش على المسؤولين اللبنانيين: "كيف يمكن أن تبقى مواد شديدة الاشتعال وغيرها من المواد الخطرة موجودة في المرفأ؟" بعد انفجار 4 آب!
التشكيلة الحكومية توضع على سكة التأليف... العقوبات الاميركية تهز العصا بقوة فهل تسهل أو تعرقل؟
تشكيل الحكومة بين تفاؤل وتحفّظ
الحكومة قريباً
اذاً، بات أديب قاب قوسين من ولادة قسرية قيصرية لتشكيلته على قاعدة "بتمشو أو بمشي" وفق تعبير مصادر مواكبة لـ"نداء الوطن"، مؤكدةً أنّ "مسودة هذه التشكيلة الأولية ستكون خلال ساعات على طاولة قصر بعبدا من باب التشاور الدستوري بين الرئاستين الأولى والثالثة قبل إحالتها بصيغتها النهائية إلى دائرة استصدار المراسيم".
ونقلت المصادر أنّ "الرئيس المكلف الذي يحرص على التزام الأصول الدستورية الناظمة لأطر التشاور والتوافق مع رئيس الجمهورية والاستماع إلى ملاحظاته في عملية تأليف الحكومة، يحرص في الوقت عينه على تشكيل حكومة منسجمة ومتضامنة قادرة على الإنجاز والعمل بعيداً عن التجاذبات السياسية داخل صفوفها، أولاً لأنّ الدستور نفسه لم يلزم أي رئيس حكومة مكلف الأخذ بالاستشارات النيابية بعدما اعتبرها "غير ملزمة" وتهدف فقط إلى استمزاج آراء الكتل والاستماع إلى مطالبها دون التقيد بها، وثانياً لأنّ المبادرة الفرنسية التي تم تكليف أديب بموجبها تشكيل الحكومة تقتضي ترشيق العمل الحكومي وترشيده ضمن إطار إصلاحي بحت لتكون حكومته "حكومة مهمات" فعلاً تتصدى للتحديات الداخلية وتلاقي التطلعات الخارجية في سبيل استنهاض البلد من أزمته المستفحلة". وعليه، فإنّ الرئيس المكلف سيخوض نهاية الأسبوع في عملية وضع "اللمسات الأخيرة" على مسودة تشكيلته بعد جوجلة خارطة الأسماء والحقائب التي رسمها في ضوء مشاوراته واتصالاته خلال مهلة الـ15 يوماً الفرنسية للتأليف، تمهيداً لإدخال أي تعديلات أو "روتوشات" أخيرة عليها قبل أن يحملها مجدداً مطلع الأسبوع إلى رئيس الجمهورية ويضعها في عهدته لقبولها أو رفضها.
وإذ لم تستبعد أوساط سياسية إمكانية اصطدام المسودة الوزارية التي سيكشف الرئيس المكلف النقاب عن تصوره لتركيبتها خلال زيارته قصر بعبدا "بعراقيل ومطبات هادفة في اللحظات الأخيرة إلى محاولة تدوير بعض زواياها الحادة"، أكدت في المقابل أنّ "الرهان لا يزال مرتكزاً على كون جميع الأفرقاء السياسيين يعلمون جيداً أن المبادرة الفرنسية تشكل مركب النجاة الوحيد للبلد، والمخاطرة بإعاقتها يعني حكماً انهيار سقف الهيكل فوق رؤوس الجميع"، لافتةً إلى أنّ "باريس تواكب عن كثب مدى التزام الأطراف الرئاسية والسياسية بتعهداتها إزاء تسهيل تشكيل حكومة اختصاصية غير مسيّسة برئاسة مصطفى أديب، والرئيس ماكرون لا يبدو أنه في وارد التسامح أو التهاون مع أي محاولة من الأفرقاء اللبنانيين للنكث بوعودهم".
لقاء القصر
وافادت معلومات امس ان الرئيس المكلف سيقوم بزيارة القصر الجمهوري اليوم للتشاور مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في تركيبته الحكومية التي يرجح انه انجزها بتوزيع الحقائب وإسقاط الأسماء عليها. وأشارت هذه المعلومات الى انه في حال توافق الرئيس المكلف مع الرئيس عون على مشروع التركيبة الحكومية فلن يبقى مانع مبدئيا من توقع ولادتها مطلع الأسبوع بما يعني بالضرورة حل موضوع حقيبة المال لتسلك الأمور مجراها. ولذا توقف المراقبون امام تسليط "التيار الوطني الحر" الأضواء الإعلامية امس على موقف سيعلنه رئيسه النائب جبران باسيل الاحد بعدم مشاركة التيار و"تكتل لبنان القوي" في الحكومة ولكن مع دعم الحكومة ومنحها الثقة . ولكن هذا الموقف يبدو انه يكتسب دلالات أخرى لان أي حزب او تيار آخر لن يشارك في الحكومة اذا شكلت من اختصاصيين مستقلين غير حزبيين .وهو الامر الذي يتصل بالمخرج الصعب الجاري البحث عنه لمسالة حقيبة المال والتي اذا لم يكن شاغلها غير حزبي وغير موصل ب"امل"فانها ستتسبب بإرباك وتعقيد يصعب تجاوزهما .
الحكومة بين التفاؤل والتشاؤم
وهكذا، تضاربت المعلومات حول مسار تشكيل الحكومة بين متفائلة ومتحفظة بقرب تشكيلها، وتفيد معلومات المتفائلين ان التشكيل ربما يكون يوم الاثنين المقبل بعد زيارة للرئيس المكلف الدكتور مصطفى اديب اليوم السبت الى الرئيس ميشال عون لعرض تشكيلة حكومية عليه او تؤجل الى الاسبوع المقبل اذا زار اديب بعبدا الاثنين، وتؤكد معطيات المتفائلين ان التشكيلة شبه منجزة عند الرئيس أديب ولكنّ الأسماء لم تنجز بعد بشكل نهائي. غير ان مصادر قصر بعبدا اكدت لـ"اللواء" ان الرئيس اديب لم يطلب موعداً لزيارة القصر السبت، على الاقل حتى مساء امس.
اما المتحفظون، فيرون ان الامور بعد العقوبات الاميركية على النائب علي حسن خليل لن تكون كما كانت قبلها، لكن الثابت بعد زيارة اللواء عباس ابراهيم الى باريس ولقائه مسؤول الملف اللبناني في قصر الاليزيه السفير برنار ايميه، ان فرنسا تترقب تنفيذ ما تعهدت به الاطراف السياسية لجهة تسهيل وتسريع تشكيل الحكومة من اختصاصيين مناسبين.
وبالمقابل، ذكرت مصادر رسمية متابعة انه كان من المتوقع الانتهاء من تشكيل الحكومة هذا الاسبوع، لكن العقوبات الاميركية التي استهدفت سياسياً بشكل غير مباشر الرئيس نبيه بري، اوقفت الحركة الحكومية لتبيان خلفيات العقوبات واهدافها في هذا التوقيت بالذات.علما ان بعض المعلومات افادت سابقا ان بري ومن قبيل تسهيل تشكيل الحكومة، لن يسمي الوزير الشيعي لحقيبة المالية وسيترك الاختيار للرئيس المكلف، بعد رفض بري التنازل عن الحقيبة لغير الطائفة الشيعية، باعتبار ذلك عرف ميثاقي ولو كان غير مكتوب. ومطلوب من الرئيس اديب، تكثيف وتسريع اتصالاته لتشمل كل الاطراف السياسية والخروج بنتيجة حاسمة ايجابية.
وفي هذا المجال، نقلت مصادر متابعة عن بعض القوى السياسية استغرابها لعدم تواصل الرئيس اديب مع الكتل النيابية التي سمّته لرئاسة الحكومة والتي يُفترض ان تعطيه الثقة النيابية لإستمزاج رأيها. وقالت انه يحصر اتصالاته فقط بالجانب الفرنسي وبرؤساء الحكومات السابقين لا سيما الرئيس سعد الحريري.
وتشير المصادر الى ان العقوبات خلقت واقعاً سياسياً جديداً سيدفع الثنائي الشيعي الى التشدد في موضوع تشكيل الحكومة وتسمية وزراء الطائفة، بينما الرئيس اديب يسعى الى اعتماد معايير بالتشكيل تناسب التطورات والتغيرات الاخيرة.
عقدة المالية مستمرة
وعلمت "اللواء" ان الاتصالات، لا تعالج فقط عقدة تسمية الفريق الشيعي لوزير المال، او التمسك بالحقيبة، بل هناك عقد اخرى، على الرغم من التقدم الذي حصل لجهة عدم مطالبة بعبدا بحصة وزارية، ونأي التيار الوطني الحر عن المشاركة، كتمثيل الفريق الدرزي، وتيار المردة، والفريق الارمني، وغيرهم..
وفي المعلومات ان "الثنائي الشيعي" والرئيس نبيه بري ينتظران مبادرة لاحتواء صدمة "العقوبات الاميركية" على النائب علي حسن خليل..
وحتى مساء البارحة لم تكن المخارج الممكنة لمعالجة عقدة حقيبة المال التي يتمسك بها رئيس مجلس النواب نبيه بري مدعوما من حليفه في الثنائي الشيعي "حزب الله" قد تبلورت بل ان موقف الثنائي لا يقتصر على اسناد المال لشيعي فقط بل يتمسك بري بطرح مرشحين لملء المقعد الوزاري . وفي هذا السياق اكد الرئيس بري في حديث ل"النهار" ان موضوع غربلة الشخصية التي سيتفق عليها لوزارة المال قابل للنقاش مع الرئيس المكلف مصطفى أديب "من واحد الى عشرة أسماء واكثر الى ان يقبل بواحد منها ".
ويؤكد بري ان حقيبة المال تعادل في رأيه أي شيء ميثاقي وان حصول الشيعة عليها مسألة ميثاقية لا غبار عليها . وإذ يرفض اعتبار موقفه عثرة لتأخير تشكيل الحكومة يقول "ان هذا الكلام لا صحة له ومن يعمل على طرحه يهدف الى الاستفادة من حقائب أخرى" . ويؤكد بري ان كل شيء خارج وزارة المال "قابل للأخذ والرد والفهم والتفاهم" .
ولكن معلومات ترددت ليلا عن انجاز الرئيس المكلف توزيع الحقائب على الطوائف على ان يعرض اليوم مع رئيس الجمهورية المسودة الأولى للتشكيلة الحكومية والتشاور حولها قبل إعلانها الاثنين المقبل.
قد يهمك أيضا :
"حزب الله" يتمسك بوزارة " المال" وأديب يضغط لمداورة الحقائب في الحكومة اللبنانية الجديدة