تتضارب وجهات النظر اللبنانية حول لقاء الفاتيكان، حيال الأزمة التي يعيشها لبنان. فالبعض يعول بقوة على هذه الحركة. أما البعض الآخر فيعتبر الفاتيكان غير قادر على القيام بأي خطوة لحلّ المشكلة. فاستعصاؤها ليس محّلياً صرفاً، بل تتشابك فيه وتتعقد استحقاقات داخلية وخارجية، تستعصي على الحلّ. ربما يكون لبنان على هذه الحالة للمرة الأولى في تاريخه.

السعودية ترفض التدخل

استُبق لقاء الفاتيكان بلقاء ثلاثي بين وزراء خارجية الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، والمملكة العربية السعودية. وجرى البحث في كيفية التصرف حيال الأزمة اللبنانية. ويريد الجميع من السعودية التدخل والاهتمام، لكنها حتى الآن ترفض ذلك، وشعارها هو: لا يمكن العمل بدلاً من اللبنانيين. وعليهم مساعدة أنفسهم كي نساعدهم.

يقود هذا الكلام السعودي إلى خلاصة تفرض بلورة وجهة سياسية يمكن الدول العربية والمجتمع الدولي تلقفها. وحتى الآن لا تبدو هذه الوجهة في طور النمو. وفي اللقاءات الخارجية والداخلية، وآخرها بين السفيرة الأميركية والسفير السعودي بلبنان، دارت أسئلة كثيرة عن المرحلة المقبلة. وماذا عن تشكيل الحكومة أو ماذا لو اعتذر الحريري؟ وهذه أسئلة لا أجوبة عليها، والبحث عن الأجوبة مستمر.

إدارة دولية للانهيار

وتشير الحركة الأوروبية–الأميركية-الفاتيكانية إلى بداية تبلور مناخ دولي عام حول فرض تحييد لبنان عن الصراعات في المنطقة. وتؤكد أيضاً رغبة دولية في عدم سقوطه الكامل، ولو اقتضى ذلك رعاية دولية كاملة للمجريات اللبنانية. وربما يمكن اختصارها بعنوان “إدارة الانهيار”.

بعض القوى الخارجية والمحلية تشير إلى أن ما يجري قد يقود إلى ما يشبه مرحلة ما قبل 14 آذار 2005. ولكن مع فارق غياب القوى السياسية صاحبة الرؤية والقادرة على بلورة تصور سياسي، يمكنه تلقف الضغوط الدولية أو التماهي معها. ذلك لأن القوى السياسية اللبنانية تتلهى بصراعاتها وخلافاتها وتناقضاتها المصلحية، ما يبعدها عن أي قدرة لإنتاج تصور سياسي مشترك يلتقي مع توجهات الخارج، ويصنع مشروعاً سياسياً يمكن أن ينطلق من الانتخابات النيابية المقبلة.

مهزومو حزب الله

وأصحاب هذه الوجهة يرون أن الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية تعود إلى أسباب سياسية. وهم يحملون مسؤولية ما يجري إلى حزب الله ومن خلفه إيران، وحلفائه في لبنان الذين يتناقض مشروعهم مع مشروع الدولة والانفتاح على الغرب. وهم يتهمون حزب الله بأنه يريد هذا الانهيار للسيطرة أكثر فأكثر على لبنان.

ولكن يغيب عن بال هؤلاء أنهم لم يتمكنوا -عندما كانوا أكثرية تسيطر على الحكم- من التصدي لمحاولات الحزب إياه. ويندفعون إلى الدفاع عن أنفسهم بأنهم فشلوا بسبب السلاح والاغتيالات وفائض القوة المتركزة في يد حزب الله، الذي نجح في فرض كل ما يريده.

بكركي وتحييد لبنان

في المقابل، يعتبر حزب الله وحلفاؤه أن الأزمة هي نتاج السياسات الاقتصادية والمالية، ويحملون مسؤوليتها لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ولخضوعه للقرارات الأميركية التي تحاصر لبنان حتى تحين لحظة تطويعه ويوافق على ما هو مطلوب منه.

مثل هذا الصراع لا يمكن أن يظل وينتهي بارداً، إلا في حال اكتمال العناصر الخارجية وعقد مؤتمر دولي مخصص لمعالجة الأزمة اللبنانية. وهذا يمكّن من الوصول إلى نتائج بناء على التسويات الإقليمية والدولية، وخصوصاً الأميركية-الإيرانية. لكن بكركي لا تريد انتظار ذلك، لأنها ترفض ربط مصير لبنان باستحقاقات المنطقة.

جولة عربية للراعي؟

ثمة من يشير إلى إمكان زيارة البطريرك الماروني دول الخليج ومصر، في إطار رفعه مشروع تحييد لبنان. وهو مشروع لن تعتبر بكركي أنه يسقط، وستبقى متمسكة به، ليطرحه الراعي مع القيادات السياسية والروحية للطوائف الأخرى، بعد عودته من الفاتيكان، كما قال.

يشبّه البعض هذه الحركة بما قام به سابقاً البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، منذ العام 2000 بعد التحرير ومصالحة الجبل في العام 2001، واستمر عمل صفير حتى العام 2005. وهو كان قد دُعم بحراك دولي كبير تمثل بالقرار 1559.

أي أن ظهور نتائج حركة صفير استغرق خمس سنوات. مع فارق أن تلك المرحلة لم تكن تشهد وضعاً اقتصادياً منهاراً كما هو الحال اليوم. أما الانهيار الحالي فيفترض تدخلاً سريعاً، لمنع الارتطام وتخفيف وتيرة الانهيار وإدارته.

قد يهمك ايضا: 

 الأجهزة القضائية اللبنانية تتقصّى ملايين الدولارات جاءت جواً من تركيا  

وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي يتخوّف من إنفلات أمني