بيروت - لبنان اليوم
كتب طوني عيسى في صحيفة "الجمهورية" تحت عنوان "الرفاق" الصينيون ينسِّقون مع "الشيطان": "تريد إيران جذب الصين إلى الشرق الأوسط، لوضعها في مواجهة الولايات المتحدة. لكن الصين ليست في هذا الوارد. وسيكتشف الإيرانيون أنّ حسابات "الرفاق" الصينيين لا تلتقي مع حساباتهم في الكثير من الأماكن.
قبل عام أو أكثر، كان المحور الإيراني يراهن أولًا على الحليف الروسي في الشرق الأوسط، ثم على الصين. ولكن، تبيَّن لطهران أنّ الرئيس فلاديمير بوتين ذهب بعيدًا في التغريد منفردًا.
"الرفاق" الروس تفاهموا مع الأميركيين والإسرائيليين والأتراك، على حساب طهران في سوريا. ويقوم الطيران الإسرائيلي باستهداف ممنهج للمواقع والمصالح وخطوط الإمداد التابعة لإيران و"حزب الله"، ويقف الروس موقف المتفرِّج، بل المشجِّع. ويترسَّخ التعاون الروسي مع إسرائيل وتركيا حول سوريا. ومطلوب من إيران تقليص حضورها هناك، وفكّ ارتباطها بالنظام.
اليوم، يعتقد الإيرانيون أنّ رفع مستوى الرهان على الصين قد يعوّض "الانحراف النسبي" الروسي. فهل هذا الرهان في مكانه، أم سينتهي إلى حيث انتهى الرهان على موسكو؟ وتاليًا، هل الطرح الذي تقدَّم به الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، الاستعانة بالصين لفك الحصار الأميركي، قابل للتحقُّق على أرض الواقع؟
في تقدير مراجع ديبلوماسية عليمة، أنّ القوى اللبنانية ("حزب الله" وخصومه) تقرأ ملف الدخول الصيني إلى لبنان بالشكل الخطأ، أو المتسرِّع على الأقل. فالصين لا يمكن أن تكون في جيبِ أحد في لبنان. وهي لا تمارس السياسة الخارجية إلا براغماتيًا.
الصين لا تُخطئ بإقحام نفسها في الشؤون الداخلية للدول، كما فعلت سوريا في لبنان خلال مراحل معينة. وتاليًا، هي تحرص على عدم الدخول بمشاريعها واستثماراتها إلى لبنان، وكأنّها تخدم طرفًا ضد آخر، أو تستفز أحدًا في الداخل أو الخارج.
وهذا الموقف تبلّغته مرجعيات لبنانية، في مناسبات مختلفة، خلال العامين الأخيرين: "اطمئِنوا. لسنا منحازين إلى أحد في لبنان. وما يهمّنا هو التوافق الشامل حول مشاريعنا، فتحظى بدعم الدولة بكامل أجهزتها ومؤسساتها، ومن دون استفزاز أي طرف خارجي، ولاسيما الولايات المتحدة".
تقول المراجع: صحيح أنّ الصين حليف استراتيجي لإيران، لكنها تضبط علاقاتها مع الولايات المتحدة بميزان الذهب. وما تعمل له حاليًا هو تحضير الأرضية للتوسّع في استثماراتها، عبر الشرق الأوسط وأفريقيا. والتحدّي الأكبر الذي تنتظره هو إنضاج الظروف للتسوية الموعودة بين العرب وإسرائيل. ففي هذه التسوية سيحجز الصينيون مكانًا لاستثماراتهم الكبرى، ولعقود مقبلة.
غالبية استثمارات الصين في الشرق الأوسط ترتكز إلى البنى التحتية، ولاسيما السكك الحديد. فالهدف هو استكمال طريق الحرير التي ستربط الصين بالعالم. وطبعًا، سيترافق ذلك مع استثمارات أخرى في قطاع المواصلات، كالموانئ والأنفاق والجسور، في مناطق عدة في الشرق الأوسط، إضافة إلى قطاعات الصناعة والمصارف والتعاون الأكاديمي ومجال البحث العلمي.
لكن المعطى الأساسي الذي سيفرض نفسه على إيران، وتاليًا «حزب الله»، في تعاطيهما مع هذا الملف، هو أنّ الصين تعتبر إسرائيل الدولة الشرق أوسطية الأولى في دائرة اهتماماتها الاستثمارية. فالإسرائيليون أقرّوا اتفاقات مع بكين يراوح حجمها بما بين 40 مليار دولار و50 مليارًا، بين البنى التحتية والاستثمارات الصناعية والمواصلات".
والمنجز من هذه الاتفاقات هو بناء مرفأ جديد في حيفا، في استثمار مدته 25 عامًا، وبناء معمل لتحلية المياه هناك، ومدّ شبكات القطار والجسور والأنفاق التي يُفترض أن تواكب عملية «صفقة القرن»، بحيث ترتبط إسرائيل بالدول العربية المجاورة.
وبالتأكيد، لا يمكن لإسرائيل أن تقيم هذا التعاون مع الصين لولا أنّه يحظى بقبول الولايات المتحدة. ولكن، يمارس الأميركيون ضغوطًا على إسرائيل لضبط مستوى التعاون عند حدود معينة، فلا يشكّل مزاحمة للدور الأميركي من جهة، أو تهديدًا لسلامة المعلومات والتكنولوجيا التي يتشاركونها مع إسرائيل، أو لأمنهم في الداخل الإسرائيلي أو قبالة أسطولهم في المتوسط.
ولذلك، في زيارته الأخيرة لإسرائيل، أراد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إفهام حليفه بنيامين نتنياهو، بأنّ هناك سقفًا للتعاون مع الصين لا يمكن تجاوزه. وعلى الأرجح، سيحاول الإسرائيليون، ببراعتهم التجارية، "زكزكة" القوى الدولية كلها لجعل إسرائيل الطفل المدلَّل في الشرق الأوسط.
في المقابل، تدرك الصين أنّ طموحاتها الكبرى في الشرق الأوسط لا تتحقق إلاّ في ظلّ تسوية شاملة للصراع العربي- الإسرائيلي. وهنا يجدر التأكيد أنّ "الصين القديمة" التي كانت تدعم القضية الفلسطينية بشكل مطلق، وتنادي بالتسوية على أسس القرارات الدولية، قد ولَّت لضرورات التغيير في النهج الصيني الداخلي في العقدين الأخيرين، وبسبب المعطيات التي أفرزتها اتفاقات أوسلو.
اليوم، ينظر الصينيون بواقعية إلى عملية دخولهم الشرق الأوسط الجديد. وتاليًا، إنّ مشروعهم في لبنان سيكون جزءًا من مشروعهم الكبير، الذي سيتمّ التوافق عليه مع الجميع في عملية السلام الموعودة".
قد يهمك ايضا:نصرالله يؤكد أن على اللبناني أن يقبل قبل التوجه لإيران وغيرها لإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية