لعقود عدة كانت صناعة الأدوية البديلة في الهند تنغص حياة شركات الأدوية الدولية، حيث كانت تنتج للمرضى الهنود كميات كبيرة من الأدوية التي هي عبارة عن نسخ رخيصة من العلامات التجارية المسجلة – وتصدّرها إلى مختلف البلدان النامية. وتوقعت شركات الأدوية الغربية أن يتم كبحُ جماح هذا النوع من الأدوية من خلال قانون البراءات الجديد، الذي بدأ سريان مفعوله في 2005 – وأن يفرض تسجيل الأدوية للمرة الأولى. لكن سلسلة من الأحكام القضائية جعلت هذه الشركات تشعر بغضب وخيبة أمل كبيرة. في معركة قضائية طال عليها الأمد وكانت محل متابعة دقيقة، رفضت المحكمة الهندية العليا طلباً من شركة نوفارتِس بالحصول على براءة اختراع لدوائها جيلفيك Glivec المضاد للسرطان الذي فتح آفاقاً جديدة لعلاج هذا المرض، وبالتالي السماح لشركات تصنيع الأدوية البديلة في الهند بالاستمرار في إنتاج هذه الدواء وبيعه مقابل 6.5 في المائة من سعره. وبلغ حجم مستند الحكم 100 صفحة، وتناول كل شيء من الجدال البرلماني الهندي بخصوص قوانين براءات الاختراع إلى تاريخ تطوير الدواء جيلفيك. وحكمت المحكمة برئاسة اثنين من القضاة بأن دواء نوفارتِس "أخفق في اختبارَي الابتكار وقابليته لبراءة الاختراع". ويعتبر المراقبون أن الحكم ستكون له تبعات واسعة، ليس فقط بالنسبة إلى الدواء جيلفيك – المستخدم في علاج سرطان الدم النخاعي – وإنما كذلك على أدوية أخرى تريد شركات الأدوية الدولية تسجيل حقوقها في الهند. ورحب ناشطون بهذا الحكم واعتبروه نصراً للمرضى الذين يعانون الإيدز والسرطان وغيرهما من الأمراض، ليس فقط في الهند وإنما في مختلف أرجاء البلدان النامية. وقالت لينا مينجاني، وهي محامية لدى المنظمة الخيرية "أدوية بلا حدود"، التي تستخدم الأدوية الهندية البديلة في كثير من برامجها العلاجية: "ملايين المرضى في البلدان النامية يستطيعون الآن النوم مرتاحي البال وهم يعلمون أن الأدوية في طريقها إلى الهند". لكن نوفارتِس قالت إن الحكم "يثبط الابتكار المؤدي إلى اكتشاف الأدوية، وهو أمر ضروري لتحقيق التقدم في العلوم الطبية لصالح المرضى". كذلك أعربت نوفارتِس عن استيائها الشديد بخصوص ما وصفته بأنه "تزايد عدم الاعتراف بحقوق الملكية الفكرية في الهند". ويأتي الحكم الذي يشكل صداً للشركة، في أعقاب سلسلة من الأحكام الصادرة عن مكتب براءات الاختراع والمحاكم والتي تسمح لشركات تصنيع الأدوية البديلة بأن تتجاوز موضوع براءات الاختراع للأدوية التي من قبيل دواء السرطان "نيكسافار"، من تصنيع شركة باير، وإلغاء براءة فايزر على دواء السرطان "سوتِنت". وقال أناند جروفر، وهو محام يمثل مجموعات المرضى وصناعة الأدوية البديلة: "هذا حكمٌ مهمٌ لمجموعات المرضى وشركات الأدوية المقلّدة. الآن ستحصل هذه الشركات على حرية الحركة والبقاء على قيد الحياة في الهند لفترة طويلة". وتبنت الهند قانون البراءات الحالي من أجل التأهل لعضوية منظمة التجارة العالمية. ويسعى القانون – الذي هو محل جدال برلماني ساخن – إلى إحداث توازن بين مطالب شركات الأدوية الغربية المنادية بحماية ابتكاراتها وبين الصالح العام وحقه في الحصول على أدوية تكون في متناول الجميع. كذلك يأخذ القانون في الحسبان دور الهند بوصفها مورداً للأدوية الرخيصة في العالم ويحاول بصورة متعمدة الحؤول دون حدوث عملية "الخُضرة المتواصلة"، كناية عن محاولات الشركات الحصول على براءات جديدة على مركبات قديمة، حيث ذكر أنه لا يمكن الموافقة على براءة جديدة، إلا إذا كانت لنسخة معدلة من مركب موجود، إذا أظهرت تحسناً كبيراً من حيث الكفاءة. ويسمح القانون كذلك لشركات الأدوية ومجموعات المرضى – بدلاً من حكومات البلدان فقط – بالسعي للحصول على تراخيص إلزامية بهدف تجاوز براءات الأدوية التي هي فوق متناول الناس. وأثار استخدام هذه القواعد سخط شركات الأدوية الغربية. وفي إحدى جلسات مجلس الشيوخ الأمريكي في الشهر الماضي، اتهمت فايزر نيو دلهي بأنها "تقوم بصورة روتينية بتجاهل قواعد التجارة بهدف تعزيز وضع صناعة الأدوية البديلة في الهند على حساب الابتكارات". وقبيل حكم المحكمة الأخير، حذرت نوفارتِس من أنها إذا خسرت القضية فربما تختار ألا تُدخِل أدوية جديدة إلى الهند. لكن ناشطين هنود في مجال الصحة استهزأوا بقولها، وقالوا إن التكتيكات التي من هذا القبيل من شأنها أن تمهد الطريق أمام شركات الأدوية البديلة في الهند إلى تقليد الأدوية دون رقيب. وقال جوفر: "إذا رفضت الشركة إدخال الأدوية، تستطيع جميع شركات الأدوية المقلدة تصنيع هذه الأدوية وبيعها بأسعار رخيصة للغاية". لكن دواء جيلفيك يعتبر حالة استئنائية إلى حد ما. فقد رُفِعت القضية في ظل قانون البراءات السابق وكانت تنطبق على نسخة معدلة من الجزيء الأصلي الذي اعتُبِر غير مستقر وغير مأمون إلى درجة تحُول حتى دون اختباره في البشر. وفي حين أن بعض الأدوية الموجودة من فئة "الخُضرة الدائمة" والابتكار الضئيل استغلت حماية البراءة دون وجه حق، إلا أن شركات الأدوية التي تطور منتجاتها عن طريق الابتكار تخشى أنه دون براءات اختراع على الأدوية التي من قبيل جيلفيك فإنها ستفقد الحوافز التي تشجعها على الاستثمار في تجارب سريرية من أجل تطوير علاجات جديدة. كذلك تخشى الشركات من أن صناعة الأدوية البديلة، التي تشهد ازدهاراً في الهند، ستقلد الأدوية لبيعها في عدد متزايد من مناطق الدخل المتدني إلى المتوسط، والتي تزداد أهميتها في الوقت الذي يرتفع فيه مستوى المداخيل في بلدان الأسواق الناشئة وتعمل ضغوط الأسعار على تقليص الأسواق الغربية. ويلقي الحكم الخاص بالدواء جيلفيك الضوء على الضغوط المستمرة من أجل التوصل إلى صفقة جديدة في تسعير الأدوية على نحو يسمح بأن تكون الأدوية المكلفة في متناول عدد من الناس يفوق كثيراً عمّا كان ذي قبل. وبالنظر إلى النظام الصحي الهندي الذي يفتقر إلى التمويل الكافي، فإن الأدوية الرخيصة وحدها لن تقدم الحل. لكن دورها أساسي، ولن يتجاهل الناشطون أو الشركات المقلّدة المنافسة موضوع حماية براءات الاختراع.