قوات "الحشد الشعبي" في الموصل

كشفت منظمة حقوقية ومسؤولون عراقيون عن قتل ما لا يقل عن 900 عراقي بطريقة الإعدام الميداني من ضمن ما يعرف بـ"الحشد الشعبي" في معركة تحرير الموصل، مؤكدين أن نحو 200 من الضحايا عثر عليهم في مكان واحد قرب بلدة البعاج غرب الموصل، في وقت قال الجيش الأميركي إنه أسقط طائرة مسلحة من دون طيار إيرانية الصنع كانت تتقدم صوب قواته قرب موقع عسكري في جنوب شرق سورية في أحدث مؤشر على تزايد المواجهات مع دمشق وحلفائها.

وكان مسؤولون في الجيش والحكومة أعلنوا أن الأمر يتعلق بضحايا قتلهم تنظيم "داعش"، لكن مصادر متطابقة تؤكد أنهم فلاحون وقرويون قتلتهم قوات "الحشد الشعبي" بعد اقتحامها  القرى المحيطة ببلدة البعاج الشهر الماضي، وينتمون لتسع قرى هي الصيحة والصكرة والعجوز وأم الحجار وسديره وفرخو وتل الكردي والكرعان وتل المسرج.

وتشير المنظمة إلى أن الضحايا سُلموا لذويهم بعد التعرف عليهم من دون جلب فريق متخصص بتحليل الحمض النووي "DNA" التابع لوزارة الصحة أو لجان استخبارات وزارة الدفاع للتحقيق في الحادث.

وتؤكد مصادر رسمية حكومية في بغداد حدوث ارتفاع كبير في عمليات الإعدام التي ينفذها مسلحون بمليشيات "الحشد الشعبي" وقوات حكومية عراقية.

وقال مسؤول عراقي رفيع المستوى، إنه "لا يمكن نفي ذلك من قبل الحكومة، لذا هي تلتزم الصمت". وأضاف أن "الحشد الشعبي أعدمت المئات في الموصل وقبلها في الأنبار وأبلغناهم أنه ليس كل صاحب لحية متطرف ، فالتنظيم يعاقب الرجال الذين يحلقون لحاهم ومن الطبيعي وجود ملتحين، لكنهم يطلقون النار ويقتلون بلا رحمة ووصلتنا قصص عن إعدامهم رجل طلبوا منه إنزال ابنته من حضنه ثم قتلوه"، بحسب تأكيد المسؤول نفسه الذي طلب عدم الكشف عن اسمه. وتابع أن الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب والتدخل السريع والشرطة الاتحادية متورطون بعمليات مماثلة لكن ضمن تصرفات لا يمكن اعتبارها موجهة أو سياسة ثابتة على غرار ما تقوم به قوات "الحشد الشعبي".

وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد وثقت في تقرير لها في 22 مايو/أيار الماضي، عمليات إعدام جديدة وقعت في مناطق غرب الموصل وقالت إن من بين الضحايا 100 رجل أخذتهم المليشيات لمكان مجهول.

ويمنع "الحشد الشعبي" وسائل الإعلام من الوصول إلى الكثير من المناطق التي يفرض فيها وجوده، بعد تمكنه من السيطرة عليها، متذرعاً بوجود خطورة من هجمات تنفذ من قبل خلايا نائمة تابعة لتنظيم "داعش". ويؤكد سكان من الموصل أنهم تعرضوا إلى إساءات من قبل عناصر "الحشد"، وأن عدداً كبيراً من الشباب والرجال قد غيبوا تماماً، ولا تعلم عائلاتهم عن مصيرهم شيئاً.

ويتحدث نازحون من الموصل عن إعدامات محتملة قامت بها المليشيات بحق شباب مدنيين من سكان المناطق التي كانت تحت سيطرة "داعش" بحجة الانتماء للتنظيم.

ويروي ناشط إغاثي في مجال حقوق الإنسان، أن مجموعة من الشباب من قضاء تلعفر أعدموا ميدانياً وجرى دفنهم بشكل عشوائي على أطراف القضاء. الناشط الذي طلب عدم ذكر اسمه، يشير إلى أن "الحشد الشعبي ارتكبت جرائم بحق مدنيين من سكان الموصل منذ أواخر 2016"، مؤكداً أن "جرائم ميدانية ارتكبت بحق أبرياء، لكن يبقى العدد غير معروف حتى الآن".

ويشير إلى أن "هناك توقعات بأن يصل عدد الرجال الذين قتلتهم المليشيات إلى أكثر من 300 شخص في تلك المنطقة لوحدها". ويتابع أن "عائلات موجودة في مخيمات النزوح وأخرى موجودة في مناطق سكناها بعد تحريرها من داعش، لا تعلم مصير أبنائها".

وكانت قوات "الحشد الشعبي" أعلنت في 6 يونيو/حزيران الحالي، عن فرض سيطرتها على كامل مناطق غرب مدينة الموصل باستثناء قضاء تلعفر.

وأوضح نائب رئيس قيادة "الحشد"، أبو مهدي المهندس، في بيان أن عناصر هذه المليشيات "تمكنت منذ إطلاق عملياتها العسكرية، في سبتمبر/أيلول الماضي، ولغاية اليوم من تحرير 14 ألف كيلومتر و360 قرية وقضاءين"، مؤكداً أنه جرى قطع الاتصالات لقواعد تنظيم "داعش" مع مدينة الموصل، وأن مليشياته "لا تزال تنتظر أوامر رئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة (حيدر العبادي) لاقتحام قضاء تلعفر"، وفق قوله.

وكانت قوات "الحشد الشعبي" فرضت مشاركتها في عمليات تحرير الموصل التي انطلقت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لم تكن مشاركتها مرغوبة من قبل أهالي الموصل، الذين كان يمثلهم زعماء قبائل وسياسيون من سكانها يعيشون خارج المدينة في محافظات أخرى من العراق.

وتعرض سكان مناطق يقطنها عراقيون من الطائفة السنية، وتحررت في أوقات سابقة، لانتهاكات وثقت من خلال مقاطع فيديو، وتناقلتها وسائل الإعلام، وقد أظهرت مستوى كبيراً من العنف، من قبل عناصر في "الحشد الشعبي"، الذين أجروا عمليات إعدام ميدانية لمئات من الرجال الهاربين من مناطق سيطرة "داعش" في مناطق متفرقة. ونفذت تلك الإعدامات بدوافع طائفية، بحسب ما أكد عدد من السكان في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد" ووسائل إعلام مختلفة.

وأصبحت مناطق واسعة من الموصل تحت سيطرة "الحشد الشعبي"، وقد حصل ما كان متوقعاً، بحسب الشيخ حسين الشمري، من زعماء قبائل الموصل. ويشير الشمري " إلى أن "القوات سارت على نفس خطى الانتهاكات التي نفذتها في مدن أخرى". ويقول "كنا عقدنا لقاءات مع أطراف عديدة لمنع قدوم المليشيات قبل انطلاق معركة الموصل، وتعهد في حينها (رئيس الوزراء) حيدر العبادي بعدم إشراك المليشيات في المعركة، لكن ما حصل كان في خلاف ذلك"، وفق تعبيره.

ويضيف الشمري الذي يشارك في حملات إنسانية لتقديم معونات لسكان الموصل الفارين من المعارك، أن "القوات  فرضت وجودها على مناطق تمتد لمئات الكيلومترات وصولاً إلى حدود سورية"، مبيناً أن "هناك الكثير من القرى تعرض سكانها لتجاوزات من قبل المليشيات".

ويؤكد أن أهالي تلك المناطق تحدثوا عن تجاوزات بحقهم من قبل المليشيات التي "غيّبت العشرات من الرجال والشباب". ويقدر بأن "أكثر من 100 شخص من أهالي الموصل المدنيين قتلوا ميدانياً على يد الحشد الشعبي في الأيام الماضية". ويتابع أن "مناطق في تلعفر والبعاج والقيروان (غربي الموصل) وقرى تابعة لها، دفن فيها أيضاً عشرات الأشخاص في مقابر جماعية، وبشكل عشوائي بعد قتلهم رمياً بالرصاص".

ويلفت الشمري الانتباه إلى أن المعلومات التي يتحدث عنها حصل عليها من سكان "تمكنوا من الهرب من سطوة داعش، بعد اندلاع المعارك، لكنهم وقعوا بيد المليشيات". ويؤكد أن "مناطق أخرى متفرقة من الموصل تحوي مقابر جماعية ومنفردة، يصل عدد المدفونين فيها إلى أكثر من 50 شخصاً".

وفي السياق، يقول أحد سكان قرية تابعة لقضاء تلعفر، ويدعى أحمد الصميدعي، إنه نجا من القتل أو التعذيب "في أحسن الأحوال" على يد المليشيات بسبب اختبائه. ويتحدث " عن مشاهدته لعناصر من "الحشد الشعبي" كانوا عزلوا الرجال عن النساء واقتادوهم إلى مبنى معمل قديم، وصاروا يحققون معهم.

ويروي أنه "داخل البناء الذي حشرونا فيه وجدنا رجالاً آخرين من قرى ومناطق متفرقة قريبة من قضاء تلعفر، أخذوا يحققون مع كل رجل باستخدام التعذيب، كنا نسمع صراخ كل واحد يأتيه الدور في التحقيق"، على حد تعبيره.

ويتابع حديثه قائلاً إنه "كانت هناك مجموعة من إطارات السيارات التالفة، والقاعة كانت معتمة تقريباً، فتمكنت من الاختباء وسط هذه الإطارات، وبعد عمليات التحقيق والتعذيب مع الرجال اقتادوهم إلى مكان مجهول. وبعد رحيلهم تمكنت من الهرب، ولجأت إلى قوات الجيش"، بحسب تأكيده.

ويشير إلى أن عدداً من الرجال الذين اعتقلوا ونالوا نصيباً من التعذيب أفرجت المليشيات عنهم، وأن القوات الأمنية على دراية بما يجري من انتهاكات. ويتابع أن "الكثير من الرجال الذين جرى تعذيبهم من قبل المليشيات تحدثوا عما حصل، ليس فقط للقوات الأمنية، بل تحدثوا أيضاً إلى منظمات إنسانية وصحافيين، وكشفوا ما جرى معهم من انتهاكات"، على حد وصفه.

وفي هذا الصدد، تقول المواطنة العراقية أم محمد ، وهي امرأة ثلاثينية العمر، طلبت عدم الكشف عن اسمها، إن رجالاً من قرى تابعة لناحية بادوش، غربي الموصل، لم يُعرف مصيرهم حتى الآن، فيما تشير إلى أن بعضهم تأكد مقتلهم على يد المليشيات.

وتوضح أم أحمد، وهي أرملة توفي زوجها متأثراً بمرض عضال أثناء سيطرة "داعش" على قريتهم، أن "عدداً من الرجال ساقتهم مليشيات الحشد الشعبي إلى مكان آخر بعد عزلهم عن النساء، بعضهم لحق بنا حين وصلنا المخيمات، لكن عدداً آخر يفوق الـ50 شخصاً لم يعودوا حتى الآن"، بحسب قولها.

وتضيف أن "معلومات أكدها رجال عادوا بعد أيام من احتجاز القوات لهم، تفيد بأن أشخاصاً كانوا محتجزين معهم أعدموا بتهمة التعاون مع داعش"، لكنها تؤكد قائلةً "لا أعتقد أن أحداً ممن أعدموا لم يكن له اتصال مع داعش"، وفق تعبيرها.

بالمقابل قال الجيش الأميركي إنه أسقط طائرة مسلحة من دون طيار إيرانية الصنع كانت تتقدم صوب قواته قرب موقع عسكري في جنوب شرق سوريا امس الثلاثاء في أحدث مؤشر على تزايد المواجهات مع دمشق وحلفائها.

ووقع الحادث بعدما أسقطت الولايات المتحدة يوم الأحد طائرة بطيار للجيش السوري في ريف الرقة بعدما ألقت الطائرة قنابل قرب قوات تدعمها الولايات المتحدة.

وفي الحادث الأخير قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) إن طائرة أمريكية من الطراز إف-15 كانت تحلق فوق أراض سورية أطلقت النار على الطائرة دون طيار بعدما أبدت نوايا عدائية وتقدمت صوب قوات التحالف.

وأضاف "يمكنني تأكيد أنها كانت طائرة دون طيار إيرانية الصنع". لكنه امتنع عن التكهن بالجهة التي كانت تديرها.

وقال مصدر مخابراتي غربي إن الطائرة "إيرانية من دون شك". وأبلغ رويترز دون الخوض في تفاصيل "إنهم يختبرون الحدود".

وتقع المنطقة في جزء من سوريا حددته دمشق في الآونة الأخيرة بأنه أولوية عسكرية لها وينظر له على أنه مهم استراتيجيا لإيران مع سعيها لتأمين ممر بري بين القوات التي تدعمها في سوريا والعراق.

وقال التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في بيان إن الموقع قريب من موقع إسقاط طائرة من دون طيار أخرى موالية للحكومة السورية، كانت مصادر مخابرات غربية حددتها على أنها إيرانية، في الثامن من يونيو حزيران بعدما أسقطت قنابل قرب قوات التحالف.