بغداد – نجلاء الطائي
أدّى الغضب (السّني) في العراق ضد معاملة الحكومة المركزية ذات الأغلبية (الشيعة) إلى لجوء المكون السّني إلى تنظيم "داعش"، لإنقاذهم من بطش ودمار المليشيات المسيطرة في العراق. وخلال السنوات الماضية أدرك ذلك المكون بأن تنظيم "داعش " لا يفرق بين فئة بعينها، وإنما يذهب الى ما تؤل له قيادته العليا التي لحد هذه الساعة هي "مجهولة الهوية"، على الرغم من براءة العديد من رجال الدين السّنة من هذا التنظيم المتطرف.
وتجد أكثر من 90 في المئة من السكان في المحافظات العراقية ذات الأغلبية السكانية من المسلمين السنة، الذين شملهم الاستطلاع يصفون "داعش" على أنها منظمة متطرفة، و80 في المئة منهم يدعمون الجهد الدولي لإزالتها. ويأتي هذا الدعم للتحالف الدولي على الأرجح بدافع استمرار انعدام الثقة في قوات الأمن العراقية، التي كان لديها بالفعل تقييمات منخفضة جدًا من الثقة حتى قبل أن تدحرها الدولة الإسلامية من خمس محافظات.
ويرى المواطن أبو عبيدة من أهالي الموصل ويقطن الآن العاصمة العراقية بغداد "إن هزيمة الدولة الإسلامية(داعش) في العراق تتطلب تغيير الأوضاع على الأرض تحت أقدام رجالها، وهذا يعني معالجة الشروط المسبقة التي أدت إلى عدم وجود مقاومة تذكر لوصولهم إلى هذه الأراضي، داعيا إلى تكاتف العراقيين معًا في دحر التنظيم من بلادهم، من دون تميز أو الميل إلى فئة بذاتها.
وأضاف أبو عبيدة أننا بحاجة للاعتقاد بأن الأمور لن تعود إلى الوضع السابق غير المقبول، موضحًا أن التغير يجب أن يكن من الناحية العملية ، هذا يعني إصلاحًا جديًّا للأمن والقطاعات القضائية للحكومة العراقية، ووضع مسار واقعي لهوية وطنية تضم جميع العراقيين.
وأوضح الشيخ أحمد مدلول الجربا٬ وهو عضو في البرلمان العراقي٬ وأحد شيوخ قبيلة شمر ذات النفوذ الواسع في نينوى٬ في تصريح لـ"العرب اليوم" ، حول ما يشاع بترحيب اهالي الموصل بتنظيم "داعش" بعد احتلالها واجزاء من نينوى إن "القول إن هناك دعما من قبل العشائر في عموم محافظة نينوى لتنظيم داعش قول عارٍ عن الصحة تماما٬ لكن هناك أفرادا من كل عشيرة من عشائر الموصل٬ مثلما هي عشائر المنطقة الغربية ٬يدعمون (داعش)".
ويعزو الشيخ الجربا اهتمام "داعش" بالموصل وتهويله الأنباء الخاصة بدعم عشائرها له إلى "رغبة هذا التنظيم في أن يعطي للموصل أهمية رمزية بحيث يجعل الموصل المعقل الثاني له بعد الرقة السورية".
ويشير الجربا إلى "أننا لو أجرينا حسابا لأعداد تنظيم داعش الذين تقدرهم المصادر الاستخباراتية العالمية بنحو 35 ألف مقاتل وهم من جنسيات مختلفة ومن مناطق مختلفة٬ وحتى لو فرضنا أنهم كلهم من أبناء الموصل فإن نسبتهم إلى سكان الموصل لا تتعدى 1 في المائة٬ وحتى لو ضاعفنا العدد إلى 70 ألف مقاتل٬ فإن نسبتهم إلى سكان عموم محافظة نينوى لا تتعدى 2 في المائة٬ ومن هنا يتبين لنا مدى التزييف الإعلامي على صعيد هذه القصة".
وبشأن دور قبيلة شمر بوصفها من كبريات القبائل في الموصل٬ قال الجربا إن "تمدد شمر بين عدة أقطار عربية فضلا عن امتدادها من شمال العراق حتى جنوبه جعل رؤيتها للأمور وسطية ودائما تميل إلى الاعتدال والأهم من ذلك أن شمر في الماضي والحاضر لم تكن يوما أداة بيد الدولة للبطش بالمدنيين".
ويبدو أن أحلام أبو بكر البغدادي في بناء دولته المزعومة لـ"الخلافة الإسلامية" في الموصل التي راهن عليها بوصفها المعقل الأهم بعد الفلوجة والرقة ستتحطم٬ فإن الخشية لا تزال قائمة من مرحلة ما بعد "داعش" لكن ليس على المستوى السياسي فقط بل على المستوى الاجتماعي أيضا.
وذكرت عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى انتصار الجبوري أن «من انتمى من أهالي الموصل إلى (داعش) قسم كبير منهم متزوجون٬ وبالتالي فإن زواجهم قديم ولا علاقة له بما جرى الحديث عنه عن (جهاد النكاح) الذي جرى تهويله لأسباب معروفة الهدف منها الإساءة لأهالي الموصل وتصويرهم على أنهم مع (داعش) وموالون له٬ وهذا غير صحيح٬ لأن أهالي الموصل ربما أكثر من أي مدينة عراقية أخرى احتلت من قبل التنظيم حصلت فيها عمليات مقاومة وغضب شعبي لأن الموصل تجمع خصلتين وهما المحافظة والمجتمع المدني".
وبينت النائبة أن "أهالي المكونات الأخرى من ديانات لا سيما الإيزيديين حصل لهم جرائم لا يمكن السكوت عنها٬ وهي ترقى في بعضها إلى جرائم الإبادة". وهذا بالفعل ما أكدته النائبة الإيزيدية عن الموصل فيان دخيل التي تقول إن "النساء الإيزيديات تعرضن للاغتصاب وتم بيعهن في أسواق النخاسة٬ وهو ما يجعلنا نشعر بغصة مما جرى لنا من بعض أهالي الموصل٬ لكن هذا لن يمنعنا من العودة إلى مناطقنا والعيش بها مهما كان الثمن لكننا في الوقت نفسه نطالب بحماية دولية لنا وأن يأخذ القانون مجراه بحق من ارتكب جرائم بحقنا".
وبحسب دراسة بريطانية أكدت أنه ، بين صيف 2014 ونوفمبر عام 2016، انخفضت مساحة الأراضي التي يسيطر عليها داعش في العراق بنسبة 62 بالمئة، الأ أن الضرر الذي أحدثه ظهور تنظيم الدولة أصبح عميقًا ويصعب إزالة آثاره، فقد باتت الطوائف الأخرى، مثل الشيعة والمسيحيين، تعتقد أن الكثير من السنة يتبنون معتقدات التنظيم. بينما يدين العديد من السنة ممارسات التنظيم الوحشية ويعتبرون أنها لا علاقة لها بالإسلام، لكنهم يرون أن ظهوره مرتبط بمظالم شديدة.
وتوقعت الدراسة أن في العراق ومع غياب داعش، سيشهد البيت الشيعي مزيد من الانقسامات في العراق وستتحول الحرب على داعش، الى حرب على بعضهم البعض، فمن الصعب أن يتعايش ذئاب في قفص واحد والمتوقع ان يقضون على بعضهم.
ويروي عبد المنعم 33 عامًا من أهالي نينوى كنت أتصور بأن تنظيم داعش اسطورة في العصر الاسلامية ، وعند دخوله الى نينوى لم استطيع تصديق الذي اشاهده ،وكانه خيال وليس واقع ، ولفت الى ان سؤال اطفالي عنهم خلال خروجنا الى شوارع نينوى راودتني الكثير من الاجابات منها انهم "نوع من الوحوش المفترسة لا علاقة لهم بالإسلام ".
ويتابع أنّه من الصعب للغاية أن يفسر لطفله معنى كلمة (داعش) "فما يسمعه هذا الطفل ويراه عن هذا التنظيم في وسائل الاتصال والفضائيات يدفعه للسخرية من ردودي". ويشير عبد المنعم إلى أنه هو نفسه لا يفهم ما يحدث، فكيف يستطيع إفهام طفله.