استيلاء عصابات على نحو 70% من بيوت المسيحيين المهاجرين من العراق

تعود هجرة مسيحيي العراق إلى بداية القرن العشرين على إثر مجزرة (سميل - محافظة دهوك حاليا 1933) ضد الآشوريين التي أسهمت في نزوح عشرات الآلاف الى  سورية، وبعد استقرار أكثر من نصف قرن عادت ظاهرة الهجرة متأثرة بعوامل اقتصادية واجتماعية خصوصًا بعد حصار العراق وحرب الخليج الثانية، لكن وتيرتها تسارعت بشكل كبير في أعقاب غزو العراق عام 2003 وما رافقه من انتشار لمنظمات متطرفة تحارب الآخرين باسم الدين.

قال المدير التنفيذي لمنظمة أوبن دورز الأميركية ديفيد كري، لشبكة "فوكس نيوز" الإخبارية إن "هناك ثقافة خوف تشكلت (في العراق) تجعل من الصعب على الناس الذين يريدون الذهاب إلى كنيسة للتعبير عن إيمانهم، سيما في موسم الأعياد". وأضاف "هذه المجموعات المتطرفة تتحرّق لأفعال التطهير الديني وتزايدت أعدادها خصوصا في شمال العراق الذي كان يعد سابقًا ملاذًا آمنًا للمسيحيين".
والعراق الذي كان في السابق موطن ما يزيد على مليون مسيحي شهد هجرتهم مع تصاعد أعمال الاضطهاد، حسب ما يقول رئيس منظمة أوبن دورز، وهي منظمة حقوق إنسان تراقب معاملة المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط.

يقدر أن في العراق الآن 330 ألف مسيحي، ويصنف البلد في المرتبة الرابعة في قائمة منظمة أوبن دورز الخاصة بالبلدان التي تعد أنها تشهد أسوأ أعمال اضطهاد المسيحيين. وتأتي كوريا الشمالية والسعودية وأفغانستان في مقدمة تلك البلدان.

وقال كري "إننا في غاية القلق من أن المسيحية الآن تتعرض لضغط يوصلها إلى الانقراض ربما في العقد المقبل أو نحو ذلك في الشرق الأوسط." وأضاف أن "بعض هذه البلدان لا سيما العراق فيها بيئة عدوانية جدا بسبب وجود المتطرفين في المنطقة." وقال إن تبعات ممارسة طقوس الديانة المسيحية تتراوح ما بين التهديدات والمضايقات إلى مهاجمة البيوت ونهب أعمالهم التجارية، والاعتداءات الجسدية على المصلين ، وهذا عنف يجبر المسيحيين باستمرار على الفرار من البلد.

مع بدأ مسلسل استهداف المسيحيين في بغداد مع بدايات عام 2004، بعد انتشار البيانات التي (اتهمتهم بالعمالة للمحتل ، فمنذ دخول القوات الأميركية والمتحالفة معها إلى العراق بدأ العديد من المسيحيين شأنهم شأن بقية العراقيين في العمل معهم في مختلف المؤسسات)، ولكن ارتفعت نسبة الاستهداف مع بداية صوم العذراء في آب/أغسطس 2004 فقد تعرضت 5 كنائس للتفجير سويّة منها (كنيسة مريم العذراء في منطقة الكرادة، وكنيسة ماري كوركيس في حي الغدير جنوب شرق العاصمة، وكنيسة مار يوحنا في الدورة جنوبي بغداد، فضلا عن كنيسة العذراء في حي المعلمين في منطقة الدورة ذاتها، بالإضافة إلى كنيسة مار يوسف شفيع العمال في حي الحمراء قرب منطقة نفق الشرطة غربي بغداد).

مسلسل تفجير الكنائس لم يتوقف بل استمر وتطور حتى شمل محلات بيع المشروبات الكحولية والموسيقى والأزياء وصالونات التجميل بهدف غلق أمثال هذه المحال، كذلك تعرضت النساء المسيحيات إلى التهديد إذا لم يغطين رؤوسهن، وحدثت عمليات اغتيالٍ لعدد من المسيحيين بشكل عشوائي في مناطق مختلفة في بغداد خصوصا التي يواجد فيها كثافة سكانية كثيرة بهدف زرع الرعب والخوف في نفوسهم، وفقا لما أشارت إليه الكثير من المتابعات التي نشرها نشطاء مسيحيون في وسائل التواصل الاجتماعي وعدد من المواقع الإلكترونية.

لكن الأمر الأكثر تأثيرًا هو أن المسيحيين في بغداد وبعد 2003 باتوا في مرمى أطماع مافيا العقارات ، فأضحت هناك سوق سوداء متخصصة في عقارات المسيحيين المهاجرين، ولتلك المافيا أذرع إحداها تعمل على تعجيل هجرة من بقي منهم، والضغط عليهم من أجل بيع عقاراتهم بأثمان بخسة مرة، ومرة أخرى يتم تزوير وكالات وبيع العقارات دون علم أصحابها، وذلك كله يشكل خطورة كبيرة على الخارطة الديموغرافية لبغداد، ويهدد أرواح أبناء إحدى أهم مكونات المجتمع العراقي والبغدادي على وجه التحديد بالموت والزوال. وفقا لما أشار إليه متابعون مختصون لملف الاستيلاء على عقارات المسيحيين في بغداد أسهموا في تزويد المعلومات لهذا التقرير .

وأكد الدستور العراقي لعام 2005 صون ممتلكات العراقيين دون استثناء، فقد نص في مادته الـ(23 / أولًا ) أن "الملكية الخاصة مصونة ..." و الـ(23/ ثانيًا) أن "لا يجوز نزع الملكية إلا لأغراض المنفعة العامة مقابل تعويض عادل، وينظم ذلك بقانون".. كذلك أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الـ(17 / ثانيا) أنه "لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفًا". وهو ما لم يحدث بخصوص مشكلة الاستيلاء على ممتلكات المسيحيين في بغداد بعد انتشار ظاهرة الاستيلاء عليها أخيرا ، أي أن الحكومة لم تتحرك وفقا لما موجود في الدستور .

وكانت مصادر أمنية رفيعة المستوى رفضت نشر اسمها لحساسية الملف و "خطورته" كما وصفت، كشفت عن عمليات "منظمة" تقوم بها جهات "معلومة خفية" استولت من خلالها على أكثر من (500) عقار في بغداد خلال السنوات الـ(10) الأخيرة، تركز أغلبها في منطقتي (الكرادة والنضال) ، بالإضافة إلى منطقة بغداد الجديدة جنوبي شرق العاصمة، فضلا عن مناطق (الدورة، والغدير، والبلديات، وكمب سارة، وشارع الصناعة، وزيونة والمنصور) وهي المناطق التي كانت تشتهر بوجود المسيحيين فيها. وأضافت أن أصحاب تلك العقارات من المسيحيين هاجر بعضهم برغبة منهم دون أي عنف أو تهديد مباشر تجاههم، لكن الغالبية كانت بسبب التهديد المباشر وفي بعض الأحيان يصل إلى مرحلة الاستهداف وتنفيذ عمليات اغتيالهم من قبل مجاميع متطرفة، فقد تعرضوا إلى عدد ليس بالقليل من حالات الخطف والقتل في مناطق سكنهم أو عملهم، وكان أكثر المستهدفين بتلك العمليات والتهجير القسري في منطقة الدورة جنوبي بغداد، مبينا أن الاستهداف المباشر بدأ يتضح جليًا في عام 2004.

وتشير هذه المصادر، التي لا تزال تشرف على عدد من التحقيقات بهذا الشأن لكنها تحفظت على نسخ من التحقيقات التي اكتملت "خوفًا من المتورطين بها"، إلى أن عمليات الاستيلاء نفذت بطريقتين: الأولى تتمثل في تهديد صاحب الملك إن كان داخل العراق وابتزازه حتى يتم شراء العقار منه بثمن بخس لا يصل في أحسن حالاته إلى 20% من سعر العقار في السوق. أما الطريقة الثانية فتتم عبر تزوير وكالات ومستمسكات صاحب العقار ليتم بيعه إلى شخص آخر. ولفتت المصادر إلى وجود جهات لها نفوذ في السلطة متورطة في هذا الملف، وتوجد عصابات مسلحة استغلت الفوضى التي يمر بها العراق لوضع أيديها على عدد من تلك العقارات.

وحذر الخبير القانوني الدكتور قيس كمونة من خطورة المخطط الخفي بعد العمليات المنظمة للاستيلاء على أملاك المسيحيين، مشيرا إلى وجود مشروع تغيير ديموغرافي تتعرض له بغداد، تتمثل خطوته الأولى في تهجير المسيحيين والاستيلاء على أملاكهم ليسهل فيما بعد تقاسم بغداد. ويحظر الدستور العراقي هذه الحالات في مادته الـ( 23/ ثالثًا/ ب) التي نصت على أنه " يحظر التملّك لأغراض التغيير السكاني" التي تشمل جانبا آخر من مشاكل المسيحيين في العراق سيما ما حدث في منطقة برطلة شرق الموصل قبل استيلاء تنظيم "داعش" عليها في شهر آب/ أغسطس 2014 ، فقد تعرضت المنطقة إلى تغيير ديموغرافي ممنهج بهدف إجبار المسيحيين على ترك المنطقة وفق دراسات وتقارير نشرت من قبل مؤسسات مختلفة كان أبرزها مؤتمر "أصدقاء برطلة" الذي عقد في مطلع 2014 .

وأضاف كمونة أن عمليات الاستيلاء على أملاك المسيحيين شهدت انتعاشا بعد الإطاحة بنظام صدام حسين؛ لما شهده البلد من فوضى وتغييب للقانون أنتج ظهور مجاميع مسلحة متعددة المرجعيات، لكنها تتشارك في سطوتها على الشارع العراقي، حتى تطورت لتصبح دويلات نافذة ضمن الدولة العراقية. وأوضح أن تلك الدويلات ومن خلال سطوة المافيات التابعة لها استولت على عدد كبير من العقارات التي هاجر أو هُجِّر مالكوها، ولما تتمتع به عقارات المسيحيين من مواقع مميزة، يسيل لها لعاب أولئك الذين لم يكتفوا بتلك العقارات، وامتدت أيديهم إلى تلك التي لم يزل مالكها ساكنًا فيها، فقد أرسلوا له تهديدات متعددة الأشكال حتى استولوا على أملاكه. ويشرح كمونة أن تلك المافيات تعتمد إسلوب الـ"إطار" او (cover) ، وهنا يتم تزوير توكيل يخول شخصا آخر ببيع أملاكه ليكمل إجراءات نقل الملكية للآخر، مستدركًا "إن هذه العمليات تتم غالبًا بتواطؤ من أحد موظفي دائرة التسجيل العقاري في وزارة العدل". وبين أن هذه العمليات تندرج قانونيا ضمن تهم تزوير وثائق رسمية وتدويل الوثائق؛ لذا فإن العقوبة المترتبة على أولئك المحتالين هي السجن لمدة لا تقل عن سنتين وفق المادة 291 من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل.

واستبعد الدكتور محمد الشمري نائب محافظ بغداد السابق وعضو مجلس النواب الحالي عن بغداد أن تكون هناك "جهات سياسية تقف خلف هذه العمليات"، موجهًا الاتهام لجهات لم يسمها "هناك عصابات تتحين الفرص وتستغل الفوضى وتوتر الشارع من أجل تحقيق مآربها". ويشير الشمري إلى أن تلك العصابات نمت في ظروف الفوضى وهي عادة ما تستهدف "الشرائح الأضعف". وتابع: إن حالات الاستيلاء هذه كان بعضها بصفة "رسمية" فيتنازل المالك عن ملكه مقابل سعر زهيد جدا نتيجة الخوف والرعب الذي تزرعه في قلبه مجموعة مسلحة مهمتها تقتصر على التهديد فقط، وتكمل مجموعة أخرى المهمة من خلال تقديم عرض الشراء هذا، وكأنهما غير مرتبطين ببعضهما، وهو الأمر الذي يكشف لنا أن من يقوم بهذه العمليات مافيا متخصصة ومتكاملة.

ويتحدث الشمري عن مسيحيي بغداد متحسرًا "المسيحيون إحدى أجمل مكونات الشعب العراقي والمجتمع البغدادي على وجه الخصوص، إذ إنهم كانوا يضيفون لها بصمة مدنية، ويشيعون فيها الكثير من القيم الحضرية، المناطق التي يسكنها المسيحيون كانت مناطق تمتاز بالهدوء والسلام وتطغى عليها مسحة الجمال والنظافة"؛ ويتوقف مكررًا "المسيحيون هم الوجه الحضاري والمدني لبغداد".

وأكد عضو مجلس محافظة بغداد محمد الربيعي أن جهات متنفذة استولت على نحو (70%) من بيوت المسيحيين المهاجرين من بغداد، ولعل أكثر المناطق التي سرقت بها أملاك المسيحيين هي محلات (906) و (904) و (902) في منطقة شارع الصناعة وسط العاصمة؛ لما لها من موقع اقتصادي مميز. ورغم أن النائب المسيحي عماد يوخنا أكد أن "مسيحيين في بغداد تعرضوا إلى تهديدات لإجبارهم على ترك منازلهم واللجوء إلى كردستان وخارج العراق، ثم يتفاجؤون بأن منازلهم سكنت من أشخاص آخرين"، لكن الأب مخلص قاشا راعي كنيسة سيدة النجاة في بغداد امتنع عن الحديث بشأن هذه "الشائعة"، كما وصفها. بيد أنه كشف عن تناقص كبير في أعداد المسيحيين في بغداد، مبينا أن "العراق وبعد 5 سنوات من الآن سيكون خاليًا من المسيحيين".

وشدد الأب قاشا على أن المسيحيين بشكل عام باتوا يشعرون بـ"اللامبالاة في الوطن"، ولو سنحت لهم الفرصة للهجرة الجماعية لكان الأمر لا يحتاج إلى نقاش أو تفكير، لكنه استدرك وهو يبدو متحسرًا، إن "الظروف الدولية لا تسمح بتلك الهجرة التي ننشد، فالوضع الاقتصادي والأمني وحتى السياسي الدولي يحول دون تحقيق ذلك". ونوه إلى أن المسيحيين المهاجرين بعد ما تعرضوا له هنا بات لا يشغلهم هاجس العودة إلى العراق، بل وحتى إن استتب الوضع الأمني فإنهم سيعودون من أجل شيء واحد فقط، ألا وهو بيع أملاكهم والهجرة مرة أخرى.

وأشار قاشا إلى تشكيل غرفة عمليات في كنيسة (القلب الأقدس) وسط بغداد، مهمتها التواصل مع المسيحيين في الخارج ممن يرغبون ببيع أملاكهم للتأكد من صحة التوكيلات التي يأتي بها من يدعون بأنهم وكلاء هذا العقار أو ذاك؛ ليتم منحهم كتاب مصادقة لتوكيلهم من أجل إكمال إجراءات بيع العقار التابع للمسيحي المهاجر خارج العراق. أما الوقف المسيحي فقد تحفظ هو الآخر على معلوماته حول هذا الموضوع واكتفى بالتعليق عليه بـ"لا توجد لدينا أية إحصاءات" !

وكشف عضو مجلس النواب العراقي عن المسيحيين جوزيف صليوة أن 5 عوائل مسيحية تهاجر العراق يوميا بسبب أعمال العنف التي تشهدها البلاد، مبينا " أن عدد المهاجرين من المسيحيين منذ عام 2003 ولغاية نهاية 2015 بلغ 2 مليون ونصف مليون شخص ، وفقا لرأي جوزيف الذي لم نستطع تأكيد هذا الرقم من جهة محايدة"، مضيفًا أن "هؤلاء يذهبون من دول الجوار إلى أماكن يستقرون فيها في إحدى الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة الأميركية". وأوضح أن "عدد الموجودين حاليًا من هذا المكون لا يتجاوز المليون و250 ألف مسيحي في العراق"، عازيًا هجرة المسيحيين لخارج العراق إلى أسباب كثيرة ومنها الصراعات وأعمال العنف التي تشهدها البلاد

وكشف المفتش العام لوزارة العدل جمال الأسدي أن عمليات الاستيلاء على أملاك المسيحيين تعود إلى عام 1992 أثناء هجرتهم بعد حرب الخليج آنذاك، فقد شهدت تلك الفترة العديد من حالات "منتحلي الصفة" التي أنتجت سرقة لعقارات المسيحيين، لكن تلك الحالات تزايدت بعد عام 2003 بشكل كبير.
 وبين أنه خلال فترة (2003 – 2007) كانت تلك العمليات تسير بسهولة دون أي رادع يذكر، لكنها بدأت بالتناقص تدريجيا حتى عام (2010) إذ أصبحت العملية بعدها تحتاج تواطؤا داخل المؤسسة المعنية (دائرة التسجيل العقاري).

ويؤكد الأسدي أن تلك العمليات لا تزال تجري حتى الآن رغم كل الإجراءات الاحترازية التي وضعت من قبل الحكومة العراقية متمثلة في وزارة العدل، مشيرا إلى عدم وجود إحصائية دقيقة حتى اليوم، لكن العدد التقريبي للعقارات التي استولي عليها في بغداد يصل إلى أكثر (300) عقار.
وأضاف أن عمليات تزوير المستمسكات والوكالات لم يوجد لها معالجات قانونية منذ 1992، لكننا في وزارة العدل وبموجب توجيهات صدرت من الأمانة العامة لمجلس الوزراء بشأن أملاك المسيحيين- أصدرنا بتاريخ (9 - 11 - 2015) توجيهًا إلى دوائر التسجيل العقاري وهيئات التدقيق اللامركزية بإيقاف العمل بالوكالات في بيع أملاك المسيحيين، وطالبناهم بمحاسبة المخالف مع بيان الرأي حول التجاوزات التي تمَّ رصدها بهذا الصدد.

وكان مدير عام دائرة التسجيل العقاري مهدي طالب أكد في وقت سابق أن وزير العدل حيدر الزاملي وجه باتخاذ الإجراءات القانونية التي تحد من التعرض إلى أملاك المسيحيين، خصوصا المهاجرين خارج البلاد. وقال طالب في بيان صحافي إن "دائرة التسجيل العقاري وبمتابعة من الوزير باشرت باعتماد إجراءات احترازية تمنع التلاعُبَ بعقارات المسيحيين بناءً على ما تمَّ طرحُه من بعض أعضاء مجلس النواب وخصوصًا في بغداد". وأضاف أنه "تمَّ اتخاذُ إجراءات احترازية تمنع التزوير في عقارات المسيحيين وتتضمن هذه الخطوات حضور البائع بشخصه أو وكيله من الدرجة الأولى أو الثانية، وإجراء الكشف الموقعي وطلب مستمسكات البائع، والتأكد من صحة صدوره، مؤكدًا إضافة إجراءات جديدة منها الكشف الموقعي والاستفسار من المجاورين للبائع يبين هويته، مبينا أنه "عند أخذ الإقرار من البائع لا بُدَّ من حضور معرفين للبائع من خلاله أو الوكيل، ولا بد أنْ يكونَ من الدرجة الأولى أو الثانية.

وأشار المدير العام بحسب البيان إلى وجود محاولاتٍ للتلاعبِ بالعقارات التابعة للمسيحيينَ من خلال الوكالاتِ الآتية من خارج العراق لأشخاص هم ليسوا وكلاء للشخص الاصيل، مبينًا أنَّ "التلاعُبَ يَتِمُ من السفارات والقنصليات لتلك البلدان، وقدم المسحيون الشكاوي عن هذا التجاوزات".

وكانت الوزارة أعلنت في 14 آذار/ مارس الماضي أن "وزير العدل حيدر الزاملي استقبل في مكتبه الرسمي في مقر الوزارة وفدا عن الطوائف المسيحية في العراق (الجاثليق البطريرك لكنيسة المشرق الآشورية، وكيوركيس الثالث، ورئيس طائفة السريان الأرثوذكس المطران سويريوس حاوا، ورئيس طائفة الأرمن الأرثوذكس في العراق المطران آفاك آسادوريان، والوكيل العام لمطرانية الروم الأرثوذكس في العراق الأب يونان الفريد)؛ لبحث سبل الحفاظ على أملاك المواطنين المسيحيين المهاجرين من أرض العراق". وأوضح الزاملي بحسب البيان أن "عددا من حالات التزوير التي تم اكتشافها لم تحسم قضائيا بسب عدم وجود المطالب بالحق الشخصي إزاء هجرتهم"، مبينًا أنه "تم الاتفاق على آلية معالجة حالة الوكالة لغير الأقارب بالدرجة الأولى أو الثانية لضمان حقوق المواطن المسيحي من خلال المصادقة على الوكالة من قبل زعماء الطوائف المسيحية المسجلة حسب القانون، أو أحد النواب المسيحيين؛ للحيلولة دون استحواذ ضعاف النفوس على هذه الأملاك". وأكد أن "المسيحيين مكون أساس من مكونات المجتمع العراقي، وأي شكوى منه تمثل مطلبا أساسيا لكل العراقيين".

المسيحية ثاني أكبر الديانات في العراق من ناحية عدد الأتباع بعد الإسلام، وهي ديانة مُعترَف بها حسب الدستور العراقي؛ فقد يعترف بـ14 طائفة مسيحية تتوزع على عدة كنائس . يتوزع أبناؤها على عدة طوائف ويتحدث نسبة منهم اللغة العربية لغةً أمًّا في حين أن نسبةً منهم تتحدث اللغة السريانية بلهجاتها العديدة واللغة الأرمنية. وأكبر كنيسة في الشرق الأوسط تقع في العراق في مدينة بغداد وهي كنيسة "الطاهرة الكبرى".

وعن العلاج الأنجح للقضاء على هذه الظاهرة، يرى الخبير القانوني الدكتور قيس كمونة ضرورة الجرد الإكتروني لوزارة العدل لجميع عقارات المسيحيين المهاجرين منهم وغير المهاجرين، بالإضافة الى اعتماد وكالة الأقرباء من الدرجة الأولى أو الثانية حصرا، أو مصادقة الوكالة من الكنيسة التي ينتمي إليها صاحب العقار.
وبين مفتش وزارة العدل جمال الأسدي أن أعداد هذا الجرد يحتاج بالدرجة الأساس إلى تعاونا مباشرا من أصحاب العقارات المهاجرين، بأن يحضروا إلى السفارات العراقية ويتقدموا بطلب تسجيل رقم العقار التابع لهم في الداخل، مع تقديم المستمسكات الثبوتية على صح ذلك الأمر؛ لتخاطب بعد ذلك السفارة العراقية وزارة العدل- دائرة التسجيل العقاري من أجل توثيق الرقم وأرشفة العقار الذي أتم مالكه هذه العملية.

ليس الاستيلاء على العقارات وحده هم ومشكلة المسيحيين؛ إذ تتحدث تقارير عن تعرض نحو 70 كنيسة بين عامي 2003 – 2012 إلى الاستهداف ذكرت أسماؤها في مقدمة التقرير؛ ما اضطر آلاف المسيحيين إلى الهجرة خارج العراق، لا سيما أن التسهيلات التي مُنحت لهم من أميركا و وأوروبا أسهمت في ارتفاع عدد المهاجرين من المسيحيين إلى تلك البلدان.

ويؤكد الباحث الاجتماعي أحمد جاسم أن وجود المسيحيين في منطقة معينة من بغداد، كان يضفي عليها طابع المدنية والأجواء الحضارية، فيصفهم الجميع بأنهم "نكهة المنطقة"، وأن ما يتعرضون له من تهجير قسري ينبئ بـ"بغداد مظلمة".