بغداد-نجلاء الطائي
تسود موجة من الاستياء والاستغراب ولاتزال تسري في الشارع العراقي على إثر صدور حكم بسجن طفل يبلغ من العمر 12 عاما لمدة سنة كاملة بتهمة سرقة علبة مناديل من أحد المتاجر، في وقت ما فتأت فيه البلاد تنتفض ضد "الفساد" المستشري فيها من قبل الكبار.
وقال رئيس مفوضية حقوق الإنسان، المنتهية ولايته، مسرور أسود، ، إن "المفوضية وأية جهة أخرى معنية بحقوق الإنسان تعد الحكم على الأطفال بهذا الشكل عقوبة قاسية ومؤذية للمنظومة الاجتماعية برغم احترامها لقرارات القضاء"، عاداً أن "القرار يفتقر للحكمة، لأن تكلفة سجن الطفل الذي سرق أربع علب مناديل ورقية قيمتها لا تتجاوز الستة آلاف دينار فقط، باليوم الواحد تبلغ 40 ألف دينار".
وأضاف أسود، أن "القرار ينطوي على سلبيات أخرى منها عدم الاستفادة من الطفل السارق ووضعه في مركز إصلاحي لا تتوافر فيه الظروف الإرشادية الملائمة أو إيداعه مع مجرمين يؤثرون في سلوكه"، مبيناً أن "الطفل سرق بسبب العوز والحاجة، وكان يجب أن تكون للقضاء قرارات إنسانية تجاهه".
وأوضح رئيس مفوضية حقوق الإنسان، المنتهية ولايته، أن "المفوضية طالبت مراراً بضرورة تشريع قانون العقوبات البديلة، المتعلق بالجرائم غير العمدية، وأن تكون عقوبة الحدث وضعه تحت وصاية والده كي يقوم برعايته وتأهيله".
وقضت محكمة السماوة عاصمة محافظة المثنى الأربعاء بالسجن لمدة عام واحد على طفل عرفته بذكر حرفين من اسمه "م.و" بتهمة "سرقة علب مناديل من متجر" بالمحافظة.
وكان صاحب محل تجاري في مدينة السماوة، سلّم الطفل "م. و" للشرطة العراقية قبل عدة أيام بعد أن قال إنه "أوقفه بالجرم المشهود وهو يسرق المناديل". وجرى إيداع "مصطفى وجدان" خلف القضبان في سجن "الخناق" بالمدينة بعد إصدار الحكم بحقه.
والطفل هو واحد من آلاف الأطفال النازحين من مناطق في شمال وغرب العراق إلى المثنى هربا من المعارك الجارية بين القوات الحكومة وتنظيم "داعش".
وأثار الحكم انتقادات واسعة ما زالت متواصلة حتى الخميس من قبل ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي وذلك في بلد يعد من بين أكثر دول العالم فسادا.
وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك)، صورة لطفل لم يتجاوز العشر سنوات بإحدى الأسواق وبيده علب مناديل ورقية، مبينين أن القضاء أصدر حكماً بسجنه لسرقتها، الأمر الذي أثار ضجة واسعة ضد القرار والقضاء في آن معاً، في حين طالب البعض رئاسة الجمهورية التدخل وإعفاء الطفل من العقوبة.
وكتب احد الناشطين على صفحته في الفيس بوك"(نفس المحكمة في السماوة ) التى برأت السارق عبد الفلاح السوداني من سرقة 4 مليار دولار اموال البطاقة التموينية ، وامس .تحكم على طفل عمره 8 سنوات بالسجن لمدة سنة واحدة لسرقته ٤ علب مناديل ورقية ( كلينكس ) قيمتها 4 الاف دينار في محافظة المثنى. وكتب احدهم "دولة اربعة كلنكس "تسجن طفل لسرقة لا تتجاوز الـ4000 دينار ,, وتطلق سراح السارقين لـ"عدم ثبوت الادلة".
بالمقابل رأى الناشط المدني، جاسم الحلفي، أن "الذي ينبغي أن يحاكم هو النظام السياسي الذي أهدر المليارات من المال العام، وبُنيَ على المحاصصة ووفّر بيئة كاملة للفساد".
وذكر الحلفي، إن "المفسدين الذين نهبوا المليارات من أموال الشعب العراقي هم من ينبغي أن يحاكموا"، متابعاً "لو كانت تلك المليارات قد استثمرت في التعليم والتأهيل والتدريب والضمان الاجتماعي لما وجدنا طفلاً يسرق مناديل ورقية ليغطي حاجته".
وأكد الناشط المدني، على ضرورة "محاكمة وسجن كبار السرّاق الذين يعقدون صفقات مشبوهة ويتحايلون على القانون"، عاداً أن "سجن الطفل وصمة عار في جبين القضاء العراقي بل والنظام السياسي في البلد".
وقال طالب حربي رئيس محكمة استئناف المثنى في بيان ، إن "الحدث الذي تم إصدار الحكم بحقه يبلغ 12 عاماً وليس كما ورد في مواقع التواصل"، لافتا إلى أن "هناك أربع دعاوى منظورة ضده وجاءت الأحكام مجتمعة بالحبس لمدة سنة".
وأضاف أن "حادثة السرقة لا تتعلق بسرقة علبة من المناديل الورقية، إنما قام بسرقة (بالات) من هذه المناديل بعملية كررها في عدة ليال من أحد المخازن التجارية حتى تم ضبطه متلبسا نتيجة بلاغ من صاحب المخزن وأن “الحكم ابتدائي غير نهائي وقابل للطعن الوجوبي كونه حدثاً".
واعتبر مجلس محافظة المثنى، ، الحكم على الطفل الذي سرق علب مناديل ورقية بأنه قرار "جائر"، وفي الوقت الذي دعا الى اصدار عفو خاص، اكد ان القرار لم يكسب الدرجة القطعية لغاية الان.
وينص قانون الأحداث رقم 76 لسنة 1983، على أن الطفل الذي لا يتجاوز عمره التسع سنوات معفي جزائياً، ولا يودع في السجن لأن ذلك يخالف القانون، وإنما يسلّم إلى ذويه ويؤخذ تعهد منهم بتصحيح سلوكه.
وحلّ العراق في المرتبة 161 من بين 168 دولة وردت أسماؤها على مؤشر منظمة الشفافية الدولية في العام 2015. ويصنف التقرير الدول بشكل تصاعدي من الأقل فسادا إلى الأكثر فسادا، فرقم 1 هي الأقل فسادا ورقم 168 هي الأكثر فسادا ويستند في تقييمه على بيانات تجمعها المنظمة من 12 هيئة دولية منها البنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي.
وقارن الناشطون العراقيون بين القيمة البسيطة للمناديل التي حوكم من أجلها الطفل بالسجن عاما وما قالوا إنها "سرقات بملايين الدولارات تجري خلف الأبواب الموصدة للمسؤولين القائمين على إدارة البلاد".
وفي مارس/آذار أعلنت هيئة النزاهة إصدار مذكرات اعتقال بحق 18 وزيرا وأكثر من 2700 مسؤولا في الدولة بتهم تتعلق بالفساد خلال 2015.
وتعقيبا على الحادثة قال طارق حرب عضو نقابة المحامين العراقيين إنه "وفق القاعدة القضائية العامة فإن قيمة المسروق لا أهمية له في تجريم الفعل فمن سرق دينارا وسرق قنطارا متساويان".
وأشار إلى أن رئيس البلاد ووفقا للمادة 73 من الدستور لا يستطيع إصدار عفو خاص عن الطفل ما لم يتلق اقتراحا من رئيس الحكومة بذلك، ولفت المحامي إلى أن العقوبات يبدأ تطبيقها على الجاني، بحسب الدستور العراقي وبعد تجاوزه عمر الـ7 أعوام.